الثلاثاء، 17 أغسطس 2010

{{{ صوتٌ من الماضى ؛ ج 1 }}}






<<< تدور أحداث هذه القصة فى فرنسا , فى بداية سبعينات القرن الماضى >>>



{ 1 }

وهكذا وبعد أن قدمنا لكم تلك النماذج التى تم رصدها على مدار سنوات طويلة , وبعد أن بينا أن تلك الظواهر لم تعد حالات خفية , بل لم تعد حالات قليلة ,

وان كل من قام بدراسة تلك الحالات لم يستطع أن يمنع نفسه من متابعاتها والتقصى عنها فى مختلف الاماكن , وإجراء التجربة تلو الأخرى لإثبات وجود تلك الحالات وأنها بعيدة عن الغش والتدليس , ومن هنا لا يمكننا سوى ان نقر ونعترف , بوجود تلك الظواهر الخارقة للطبيعة , وأن كل من يرفض تصديق تلك الظواهر فهو يجحد كل تلك التجارب والأبحاث التى أجريت من قبل علماء ومتخصصين فى عوالم ما وراء الطبيعة , والظواهر الخارقة ,



هكذا أنهى البروفيسور {{ فرنسوا جان بيير }} محاضرتة النصف شهرية التى يلقيها فى جامعة ( أودجى لارسان ) فى مقاطعة سان كلو الفرنسية , وكان البروفيسور فرنسوا قد حاز شهرة واسعة فى فرنسا كلها وفى بعض دول العالم بوصفة عالم متخصص فى عوالم ما وراء الطبيعة والظواهر الخارقة التى يتمتع بها بعض البشر , وإن كان قد إكتسب شهرته الواسعة تلك بسبب منهجه الذى إتبعه منذ البداية وهو ربط تلك الظواهر بتفسيرات منطقية أو لنقل محاولته ذلك .

وبرغم ما إكتسبة هذا العالم من مؤيدين لمنطقة وأبحاثة ,إلا أنه لم يعدم الكثيرين من المشككين فيما يقوله وينادى به , الى الحد الذى أطلق عليه البعض لقب المشعوذ وأحيانا البروفيسور المهرج ,

وخرج البروفيسور من قاعة المحاضرات وقد احاط به البعض ممن كانوا يستمعون إلى محاضرته تلك يمطرونه بالأسئلة والإستفسارات , وهو يجيبهم ولم تفارق إبتسامته الرقيقة وجهة الذى يحمل طيبة ظاهرة وإن كانت ملامحه تدل على ثقة عميقة بما يقوم به ,

وكان من بين هؤلاء الذين أحاطوا به شاب فى منتصف العقد الثالث من عمره تقريباً , تحمل ملامحه تلك الملامح الشرقية المميزة التى تميز مواطنى شمال أفريقيا ,

وكانت ترتسم على شفتيه إبتسامة ساخرة متحدية تدل على أنه لم يقتنع بأى كلمة من تلك الكلمات التى القاها هذا البروفيسر , وكان يصوب ألية تلك النظرات المتحدية بطريقة لفتت نظر فرنسوا فقابلها بنظرات أكثر تحدياً وأن لم تفارق إبتسامته شفتيه وأشار إلى هذا الشاب هاتفاً

- > هااااى .. أيها الشاب الشرقى , يبدو أن لديك إستفسارات تريد طرحها على ؟ فأنا أرى فى وجهك أنك من ذاك الفريق الذى يرفض مجال بحثى ,

وفوجئ الشاب بهذه المواجهة المباشرة والتحدى البادى فى لهجة فرنسوا فإرتبك قليلاً وإن كان قد تمالك نفسه سريعاً وأجابه بأسلوب يفتقر شيئاً ما إلى اللياقة قائلاً

-> أولاً , إسمى مروان .. وليس الشاب الشرقى , ثانياً أنا بالفعل لم أقتنع بتلك الخزعبلات التى تحدثت عنها وهذا الهراء عن القوى الخفية وتحضير الأرواح وغيره من تلك الأمور ,

إمتعض فرنسوا لهذا الأسلوب الفج الذى يتحدث به الشاب , وإن كان لم يفقد هدوءه المعتاد ولم تفارق إبتسامة الثقة شفتية ,فقد إعتاد طوال مشوارة الطويل فى هذا الطريق أن يلقى مثل تلك الكلمات والإنتقادات , بينما سرت همهمات إمتعاض من المحيطين بالبروفيسور , ولكن فرنسوا اشار لهم بالهدوء ووضع ساعده على كتف مروان قائلاً له

-> من حقك أن ترفض ما أقول , ومن حقك عدم الإقتناع به , ولكن ليس من حقك أن تتحدث إلى من هو أكبر منك سناً وأكثر علماً بهذا الأسلوب المفتقر للياقة فى الحديث ,

شعر مروان بالخجل من عتاب فرنسوا الرقيق وهم بالإعتذار ولكن الأخير صاح به بمرحه المعتاد

- > لا عليك , دعك من اى إعتذارات , ولكن قل لى , أنت من الشرق على ما أظن ؟ فملامحك تدل على ذلك ؟ فهل صدق حدسى ؟

- > نعم يا سيدى , انا مروان الديب , من مصر , وقد حضرت إلى فرنسا للحصول على الدكتوراة فى القانون من السربون , وإن كان قد لفت نظرى هذا الإعلان عن محاضرتك النصف شهرية هنا فى أودجى لارسان , فحضرت للإستماع إليها , فأنا أقيم أصلاً هنا فى سان كلو ,

وسار مروان بصحبة البروفيسور فرنسوا حتى وصلا إلى حجرة الأخير فإعتذر لبقية المستمعين لأنه يريد مروان فى حديث خاص , وعندما دخلا إلى الحجرة طلب منه فرنسوا الجلوس وقال له

- > ألا ترى معى أن هناك غرابة فى موقفك هذا بالرغم أنك من الشرق حيث الإيمان هناك بالخوارق والسحر والأمور الخفية على أشده ,

- > يبدو يا سيدى أن نظرتكم إلى الشرق مازالت قاصرة على تلك النظرة الدونية , وأن مواطنى الشرق مازالوا غارقين فى الخرافات والخزعبلات وغيرها من تلك الأمور , تلك النظرة التى كونتوها عنا من خلال حكايات ألف ليلة وليلة , ويبدو أنكم لن تغيروا تلك النظرة فى المستقبل القريب ؟

- > لا تتعجل فى ردودك يا بنى , فلو حتى كانت تلك هى نظرة البعض إلى الشرق , فهى ليست نظرتى على الإطلاق , إلى جانب أن مجال أبحاثى ودراساتى أتاحت لى الفرصة لدراسة الشرق جيداً , ودراسة فكره ومعتقداته , ولكن هذا ليس مجال حديثنا , وسؤالى لك ما هو الشئ الذى أثار إنتقاداتك فى كلامى ؟

- > سيدى هناك مثلاً حديثك عن تلك القدرة على إستحضار الأرواح , فهذه مثلاً من الأشياء التى تخالف عقيدتى كمسلم , فالروح لا يعلم من أمرها شئ إلا خالقها , فكيف يمكن لبشر أن يستحضر تلك الروح مرة أخرى بعد خروجها من الجسد ؟ ووقتما يشاء ؟

- > أنا أفهم جيداً ما تقول , فمن بين دراساتى أنى قد درست العقيدة الإسلامية . ولكن لابد أن هناك تفسير ما لتلك القدرة على تحضير الأرواح لا يتعارض مع معتقداتك , فهناك بالفعل من يستطيع فعل ذلك , أما عن التفسيرات فهناك منها الكثير , ولكن تظل الحقيقة خافية علينا , ولا تنسى أننى دائماً ما أبحث فى التفسيرات المنطقية لتلك الظواهر الخارقة , .. على كل حال دعنى أدعوك لحضور تجربة من تجارب تحضير الأرواح , ولنا بعدها جلسة أخرى لمناقشة هذا الأمر , تلك هى بطاقتى الخاصة , بها دعوة وعنوان الجمعية التى أرأسها والمعنية بعالم ماوراء الطبيعة , ومن حسن حظك أن مقرها هنا فى سان كلو , ولن تخسر شيئاً إن حضرت أحدى إجتماعاتنا التى تعقد يوم الخميس من كل أسبوع , ولك بعدها ان تصدق او تكذب ,
وبرغم أن مروان لم يسترح للهجة البروفيسور الأخيرة إلا أنه قبل الدعوة وأخذ البطاقة التى تحمل عنوان الجمعية المذكورة 
 
******
 
{ 2 }

تردد مروان كثيراً قبل أن يخرج البطاقة التى أعطاها له البروفيسور فرنسوا جان بيير , ويدير رقم الهاتف الموجود بها ليستفسر أن كانت جلسة الجمعية المعتادة يوم الخميس ستقام فى موعدها أم أن هناك تغيير , وتمهل البروفيسور قليلاً قبل أن يخبره أنه وبرغم أن إجتماع اليوم إجتماعاً خاصاً مقتصراً على أعضاء الجمعية الفعالين , وليس هناك لقاء بالجماهير , ولكنه لا يجد ما يمنع من حضورة هذا الإجتماع الخاص . وحدد له موعد الحضور فى السابعة من مساء اليوم ,
وشعر مروان ببرودة تسرى فى جسده والقلق يعصف به بعد هذه المكالمة وفكر جدياً فى عدم الذهاب الى هذا الموعد , فقد إستشعر نبرة غريبة فى صوت فرنسوا وكأنها وعيد , وهو لم ينس بعد أنه قد أهان كبرياء البروفيسور العلمى أمام ملأ من معجبيه ومريديه , ومهما كانت طبيعة فرنسوا المسالمة فهذا لا يمنع من وجود بعض الغرور العلمى لديه , ولهذا فقد توقع مروان انه لن يفوت الفرصة للإنتقام منه , ومما زاد من رهبته , قول فرنسوا ان إجتماع اليوم هو إجتماع خاص بالأعضاء الفعالين وليس للجمهور , أى أنه سيكون بمفرده بين مجموعة ممن أطلق عليهم البروفيسور أصحاب القدرات الخاصة , بينما هو من المكذبين لهم ,
ولكنه عاد وطمأن نفسه أن البروفيسور من الشخصيات العامة ولا يمكن أن يرتكب حماقة ما معه , ولهذا وجد نفسه يتغلب على قلقة ويقف أمام باب الفيلا التى وجد عليه لافته صغيرة مكتوب عليها (البروفيسور فرنسوا جان بيير ) ,
ولم يعطى مروان لنفسه فرصة للتراجع وضغط على الجرس المثبت بجانب الباب ومضت دقائق قبل أن ينفتح الباب الخارجى عن عملاق يبدو من ملامحه انه من سلالة آكلى لحوم البشر ومن خلفه تلتمع أربع عيون حمراء مع صوت لهاث وعواء يثير الفزع , وكانا لكلبين من نوع الدوبرمان الألمانية الشهيرة بشراستها .
وتراجع مروان إلى الخلف قليلاً وهم بأن يطلق لساقية الريح , ولكنه أستصغر هذا فى نفسه , وقطع الحارس العملاق عليه خط الرجعة عندما سأله بصوت أجش > بماذا يأمر سيدى ؟ هذا سكن خاص ولا يسمح للدخول فيه سوى من لديه دعوة ؟ تلعثم مروان قليلاً وقال للحارس > فى حقيقة الأمر لدى موعد هنا مع البروفيسور فرنسوا بيير , ولكنه لم يعطينى أى دعوة , > إذاً فسيدى من المتطفلين , وأصحاب هذا المكان يكرهون المتطفلين , وهم بان يقبض على رقبته ورفع مروان يده ليبعد يد الحارس الغليظة لكى تصل إليه ولكن مما أثار عجبه هو تراجع الحارس ثم إنحنائه له بإحترام ومد يده ليأخذ من يد مروان تلك البطاقة التى أعطاها له البروفيسور والتى كانت ما تزال فى يده وقال له > ولكن سيدى يحمل فى يده بطاقة الدعوة , تفضل سيدى .. وسار مروان خلف الحارس الذى أحكم قبضته على مقود الكلبين الذان كانا لا يزالان يزمجران بشراسة , ودق الحارس جرساً آخر بجانب الباب الداخلى للبناء وفى هذه المرة فتح له البروفيسور بنفسه الذى إستقبله بترحاب وإن كان يحمل بعض البرود وإصطحبه إلى قاعة فسيحة تشبه قاعات المحاضرات التى فى الجامعة بمدرجاتها المتعددة وإن كانت أصغر حجماً , ويتصدرها طاولة مثل طاولة المحاضر وخلفها عدة مقاعد , وكانت القاعة مضائة بواسطة شموع كثيرة مما أعطى لها طابع من الرهبة بسبب نلك الأضواء الخافته ,
وإعتذر له فرنسوا لأنه لم يخبره ان تلك البطاقة كانت هى جواز مرورة من البوابة , فهو لا يحب المتطفلين ولهذا ما كان لأحد الدخول إلا إذا كان لديه تلك البطاقة . وإستأذن منه ليخرج من باب خلف طاولة المحاضر , بينما بقى مروان بمفرده فى القاعة التى أخذ يجيل بصره فيها وكانت جدرانها تحمل لوحات عجيبة لمخلوقات أعجب , تعرف منها مروان على شخصيات شهيرة مثل دراكيولا , وفرنكشتاين , والرجل الذئب , كلها طبعاً من خيال الرسام كما صورها كتاب قصصهم الاصليين , إلى جانب بعض اللوحات الزيتية الأخرى التى يبدو عليها القدم لشخصيات لم يتعرف عليها مروان وإن كانت تحمل نفس طابع الصور الأخرى ,
وفجأة توقفت عينا مروان عند فتاة تجلس فى نهاية القاعة وفى الصف الأخير منها , وكانت فتاة تناهز منتصف العشرينات من العمر وعلى قدر كبير من الجمال بوجنتيها الورديتين وشعرها الكستنائى الذى ينسدل على جبينها كشلال من حرير وعينيها الزرقاوتين كبحيرة بلا امواج ,
وبقدر ما إستملح مروان تلك الفتاة بقدر ما تعجب لوجودها بمفردها هكذا فى الصف الأخير , وظن مروان أنها مدعوة هى الاخرى إلى هذه الجلسة الخاصة ,
وإبتسم لها مروان محيياً , ولكنها لم تعره إلتفاتاً فقد كان يبدو على ملامحها شئ من القلق والتفكير العميق ,
وقطع تفكير مروان دخول البروفيسور من الباب الذى خرج منه منذ قليل وكان بصحبته مجموعة مختلفة من البشر يبدو عليهم ومن خلال ملامحهم أنهم من جنسيات مختلفة , وكانوا مجموعة من الرجال والنساء يتعدى عددهم العشرين فرداً يرتدون زياً موحداً فبدوا وكانهم أحدى فرق الكشافة , وتوجهوا ليجلسوا فى الصف الأولى من المدرج ما عدا البروفيسور وإمرأة أخرى يبدو عليها أنها أكبرهم سناً وأكثرهم وقاراً ومهابة فقد جلست بجوار البروفيسور خلف الطاولة التى فى صدر القاعة , وتحدث البروفيسور فى ميكروفون موجود فوق تلك الطاولة وقام بتعريف كل فرد من أفراد هذه المجموعة يإسمه وجنسيته وكذلك بقدراته الخاصة التى يتمتع بها , بينما قام بتقديم السيدة الجالسة بجوارة على انها نائبة رئيس الجمعية وكانت تدعى ( لورا مارتينى ) ووصفها بانها من أشهر عرافات فرنسا إلى جانب براعتها الكبيرة فى تحضير الأرواح , ولاحظ مروان كم الإحترام والتوقير الذان تحظى بهما هذه السيدة من الجميع ,
وإستدعى البروفيسور مروان ليجلس بجانبه ثم قام بتقديمه إلى الحضور قائلاً > هذا هو السيد مروان من الشرق , ومن مصر تحديداً , وإن كان لا يتمتع بقدرات خاصة , إلا أنه قد اثار فضولى مما دعانى لدعوته إلى هذا الإجتماع الخاص لمشاهدة بعض القدرات الخاصة التى يكذبها بشده , ونطق البروفيسور عبارته الأخيرة بطريقة خاصة جعلت القلق يعود إلى مروان مرة أخرى , وتنبه مروان إلى أن البروفيسور لم يشر أى إشارة إلى الفتاة التى رأها منذ قليل تجلس فى الصف الخلفى من القاعة , وحول بصره إليها ,
ولكنه لم يجدها فى مكانها , بل لم يجد لها أى أثر فى القاعة كلها ,

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق