الثلاثاء، 17 أغسطس 2010

{{{ صوتٌ من الماضى ؛ ج 5 }}}



{ 9 }

ساد الصمت للحظات بعد ان القى البروفيسور تساؤله هذا وادارت كريستين عينيها بينه وبين مروان ثم تبسمت إبتسامة غامضة , وقالت > اما عن كيفية دخولى ليلة أمس ؟ فقد دخلت مثلما دخل السيد مروان , فقد كان لدى بطاقة من تلك البطاقات , بالطبع لم أحصل عليها من خلالك يا بروفيسور , ولكن عن طريق السيدة ( لورا مارتينى ) فنحن متعارفان , ومنها أيضاً علمت – وبطريقة غير مباشرة أن هناك تجربة ستتم هذه الليلة لتحضيرروح ما , فكان لابد لى من حضور تلك الجلسة , والتدخل بطريقة ما لتحفيز تلك الروح الشريرة للحضور , ولهذا فقد تواريت عن الأنظار حتى يحين موعد ظهورى للقضاء على هذه الروح الشريرة , قاطعها مروان متشككاً > ألا ترين معى يا أنستى أن تلك القصة واهية بعض الشئ ؟ فمن أدراك أن تلك الروح الشريرة ستحضر فى تلك الساعة تحديداً ؟ ولو كانت القضية قضية تحضير تلك الروح ؟ فلماذا لم تطلبى هذا مباشرة من السيدة لورا مارتينى بأن تقوم بتحضيرها فى جلسة خاصة بكما ؟ ما دمت قد ذكرت إنك على علاقة بها ؟ ثم ما الغرض من كل ما حدث هذا ؟ وكيف كنتِ ستقضين على تلك الروح الشريرة ؟ نظرت الفتاة إلى مروان نظرة حانقة وإن كانت إبتلعتها سريعاً وعادت لتلك الإبتسامة الباهته التى إرتسمت على شفتيها منذ البداية وقالت > يبدو إنك متعجلاً دائماً فى حديثك يا سيد مروان ؟ فلو أنك أعطيت لى الفرصة لتكملة حديثى ؟ لوجدت إجابات لكل تساؤلاتك ؟ وهنا نظر فرنسوا إلى مروان نظرة عتاب , وأشار له بيدة إشارة معناها أن يصمت ويستمع لما تقوله الفتاة , دون أن يقاطعها , وإستطردت الفتاة قائلة > بداية لابد لكما أن تعلما أن معرفتى بالسيدة لورا مارتينى ليس بالقوة التى تمنحتى الحق فى طلب مثل هذا على سبيل الخصوصية , فهى لا تعرفنى أنا معرفة شخصية ؟ وإنما معرفتى بها عن طريق بعض الأشخاص الآخرين ؟ ولهذا فهى لم تتعرف على وقت أن ظهرت فى القاعة , ومن جهة أخرى فالسيدة لورا تعلم جيداً ما هى هذه الروح الشريرة ؟ وما هو تأثير ظهورها ؟ إذا ما حدث وفشلنا فى القضاء عليها ؟ مثلما حدث فى تلك الليلة ؟ وبالتالى فهى كانت على إستعداد لأن تلقى بنفسها فى حوض ممتلئ بحمض كبرتيك مركز ,على أن تقوم بمثل تلك العملية , ولهذا كان دورى أنا فى حضور تلك الجلسة وبصفة سرية , فهى لم تكن تعلم بحضورى فى هذا اليوم , فأنا أعلم أن مثل تلك الأرواح الشريرة تظل هائمة , فإذا توفر لها المناخ المناسب للظهور فإنها تظهر ,وليس هناك أنسب من هذا الجو الذى تجرى فيه تجربة لتحضير روح ما , وكان دورى هو ترتيل بعض التعويذات المعينة التى تستدعى تلك الروح ,ومن هنا كان جو الإرتباك واللغط الذى صاحب التجربة التى قامت بها السيدة لورا ,
صمتت الفتاة قليلاً وإرتشفت رشفة من المشروب الذى قدمه لها الخادم ثم إستطردت قائلة > أما عن السبب الحقيقى الذى أتى بى هذا المساء ؟ فلنا أن نعود بالذاكرة إلى الوراء عشرات الأعوام , ودعونا نراجع سوياً ما قرأتماه فى هذا المجلد الذى فى حوزتكم , فهو لم يذكر كل الحقائق , فهناك معلومات كانت خفية لا يعرفها سوى قلائل جداً من الناس , وقد أكون أنا آخر من يعلم تلك المعلومات وذلك بعد وفاة جدتى هلينا كازان منذ وقت قريب , فبعد أن إستطاع جدى الأكبر موريير كازان القضاء على تلك الساحرة الشريرة أولجا سباستيان , عثر فى منزلها بطريقة ما على هذا المخطوط المسمى ( ترنيمة الخلود ) وأدرك فى الحال مدى خطورة هذا المخطوط , خاصة بعد أن تعرض منزل تلك الساحرة للسطو عدة مرات بعد إحراقها , رغم كل ما يحيط بهذا البيت من أساطير ورعب يملأ قلوب كل أهل القرية , وقد أدرك جدى أن وراء محاولات السطو هذه محاولة العثور على هذا المخطوط والذى لم يكن يعلم بوجودة سوى قلة قليلة جداً من أقرب الناس إلى تلك الساحرة , ولهذا فقد أخفى جدى أمر هذا المخطوط تماماً حتى عن أقرب الناس إليه , ثم عكف عليه يدرسة لفترة طويلة من الزمن إستطاع بالرجوع إلى بعض المخططات القديمة التى تتحدث عن السحر والرموز والطلاسم فى فك بعض غموض هذا المخطوط , وأدرك وقتها مدى خطورة هذا المخطوط الأزلى والذى قد يعود تاريخه إلى أزمان سحيقة متوغلة فى التاريخ , وأدرك أيضاً سر هذا المخطوط وسر أهم طلاسمه , فهذا المخطوط كان يحوى بين دفتيه البروتوكولات الكاملة لعملية الإستحواذ التى يتم بواسطتها الإتفاق الشيطانى بين الشيطان الأكبر وبين الإنسان الذى يقبل تلك الصفقة الشيطانية . هذا بخلاف الجزء المتعلق بكيفية القضاء على هذه الروح تماماً , وشعر جدى بالرعب الشديد بعد أن أدرك سر هذا المخطوط وما يمكن أن يمنحه لمن يحوزه من قوة عاتية , وهنا فكر فى أن يقوم بحرق هذا المخطوط , ولكنه تراجع فقد أدرك أن حرق المخطوط لن يقضى على تلك الروح التى مازالت هائمة بعد إحراق الساحرة أخر من كانت تحملها فى جسدها الذى فنى بإحراقها , فربما عثر شخص ما وبطريقة ما على تلك الطلاسم فى مكان وزمان آخر ووقتها يستطيع أن يعيد تلك البروتوكولات والطقوس التى تعيد هذه الروح الشريرة إلى الظهور مرة أخرى , وعندها قرر جدى أن يفك طلاسم تلك الجزئية المتعلقة بإبادة تلك الروح الشيطانية , على أن يقوم بعد ذلك بمحاولة القضاء عليها وبالتالى تخليص العالم تماماً من شرورها , ولهذا فقد اخفى هذا المخطوط فى مكان لم يخبر به أحداً مطلقاً وزيادة منه فى الحرص فقد نزع منه أهم ورقتين , الورقة الأولى والتى بها طلسم الإستحواذ , والورقة الثانية يوجد بها طلسم الإبادة , وقام بإخفاء هاتين الورقتين فى مكان ما , حتى إذا ما قدر لأحد أن يعثر على هذا المخطوط , فيكون بلا فائدة كبيرة له لأن أهم طلسمين فيه مختفيان , وبهذا يصبح المخطوط لا يحوى سوى البروتوكولات فحسب , أما أهم طلاسم فهى غير موجودة , إلتقطت كريستين أنفاسها بينما كان فرنسوا ومروان ينظران إليها بكل تركيز وتعجب مما تحكيه تلك الفتاة الغامضة , وعندما رأت أنها قد إستحوذت على كل إهتمامهما أكملت قصتها > ولكن القدر لم يمهل جدى حتى ينفذ مخططه الذى كان يبغى من ورائه القضاء على تلك الروح
الشريرة , فقد قامت جماعة من تلاميذ تلك الساحرة الشريرة أولجا سباستيان بالقضاء على كل من كان له صلة مباشرة بإحراقها , فمن ناحية هم قاموا بالإنتقام لها , ومن ناحية أخرى كان يهمهم بشدة ان تظل تلك الإسطورة المروجة بين الناس عن عودة الساحرة حتى بعد إحراقها أن تظل باقية فى الإذهان حتى إذا ما عثر أحدهم على هذا المخطوط وإستطاع أن يستفيد منه فيكون المناخ السائد مهئ لإستقبال القوة الجديدة , ولهذا فقد حرصوا على أن تكون تلك الميتات على أبشع صورة , حتى يتوهم الناس أن من فعل هذا ليس بشرياً , ولكن مسعاهم قد خاب فلم يعثر أحدٌ منهم على المخطوط , وبالطبع أنتم علمتم أن الوحيد الذى نجا من تلك المذبحة كانت هى جدتى هلينا , وقد عثرت على مذكرات كان جدى قد كتبها قبل إغتياله , ومن خلالها علمت كل ما سبق أن حكيت لكم عنه , وظلت تبحث عن هذا المخطوط , حتى عثرت علية فى مكان لم يكن لأحد أن يتوقع وجوده فيه , ولكن بقيت أهم تلك الوريقات , وهى التى تحوى الطلاسم المكملة لباقى البروتوكولات الموجودة فى المخطوط والتى بدونها يصبح كالسيارة الكاملة , ولكن بلا محرك , ثم نزحت جدتى بعد ذلك إلى امريكا الجنوبية فقد خافت أن يكون مصيرها مثل مصير باقى العائلة , وإنقطعت أخبارها تماماً , وبمرور الوقت تناساها الناس ولم يعد أحد يذكر سوى تلك الحوادث الدموية التى جرت بعد إحراق الساحرة , وتزوجت جدتى من رجل أمريكى وعاشت فى ( جامايكا ) وأنجبت أمى التى توفيت بعد ولادتى بسنوات قليلة فكفلتنى جدتى هلينا , وفى فترات صباى لاحظت جدتى إهتمامى بأمور ما وراء الطبيعة , ولا يخفى عليكم أن السحر والدجل يوجد له سوق رائجة فى جامايكا , ومن هنا أطلعتنى جدتى على كل تلك الأسرار التى ظلت تحتفظ بها ولم تبح بها حتى لزوجها أو إبنتها الوحيدة وهى أمى , ولكنها أخفت عنى كل شئ يتعلق بشأن تلكما الورقتين , بل لم تذكر لى إن كانت قد عثرت عليهما من الأساس أم لا ؟ ولكن قبل وفاتها بأيام قليلة وبعد أن شعرت بدنو أجلها , أحضرتنى وجعلتنى أقسم على أن أحتفظ بما ستبوح لى به من أسرار على جانب خطير من الأهمية وعلى أن اعاهدها بتنفيذ وصيتها التى ستوصى لى بها , وهنا أخبرتنى بأنها قد عثرت على تلكما الورقتين وأنها أخفتهما فى غلاف أحد المجلدات الضخمة , وهذا المجلد هو ما بين يديكما الآن ( محرقة الساحرات ) فقد كانت تحتفظ بهذا المجلد الذى كتبة أحد المهتمين بتلك الأمور , فقد ورد ذكر الحادثة العائلية المتعلقة بعائلتنا فيه . وكان هذا المجلد قد إختفى تماماً رغم حرصها الشديد عليه , ولكن يبدو أن أحداً قد سطا عليه دون حتى أن يعرف ما يحويه , وكانت وصيتها لى أن أسعى جاهدة للعثور على هذا المجلد والحصول على تلكما الورقتين , وأن أقضى على تلك الروح الشريرة لكى أكمل ما لم يتمكن جدى من فعلة وما جبنت هى على القيام به , ولكن بما أنها وجدت فى الإهتمام بمسائل ما وراء الطبيعة والميتافيزيقيا فقد رأت أن أكمل أنا ما إنقطع من هذا السبيل ,


أنهت كريستين روايتها بينما ساد الوجوم بعض الوقت بالجميع ودار بينهم صمت مطبق , قطعه البروفيسور قائلاً > فى حقيقة الأمر تلك الرواية التى رويتيها لنا توضح أمور خفية كثيرة كنا نناقشها أنا ومروان قبل حضورك , وتريث البروفيسور قليلاً ثم أضاف > هل أفهم من ذلك أن سبب تلك الزيارة إذاً هى الحصول على تلكما الورقتين ؟ ولكن ما أدراك أنهما موجودتان هنا فى هذه النسخة التى بحوزتى ؟ > إن كاتب هذا الكتاب لم يجعل منه سوى ثلاث نسخ فقط إحداهم هى التى كانت بحوزة جدتى هلينا , وقد بحثت وتقصيت حتى عثرت على النسختين الأخرتين , ولكن إكتشفت أنهما ليسا النسخة المقصودة , فقد أنبأتنى جدتى أن هناك ملاحظات معينة كتبتها على بعض الحواشى فى تلك النسخة التى كانت بحوزتها , وقد علمت مؤخراً أن النسخة الأخيرة لديك يا سيدى , ولهذا حضرت إليك وإضطررت أن أفشى لك تلك الأسرار حتى تقتنع بقصتى وتمنحنى هذا المجلد , وأنا على أتم الإستعداد لدفع اى مبلغ تطلبه فيه , أو على الاقل أحصل على تلكما الورقتين , لكى أنفذ وصية جدتى بالقضاء على تلك الروح الشريرة تريث البروفيسور قليلاً وظل ينظر إلى الفتاة محاولاً ثبر غور نفسها , والنفاذ إلى أعماق عقلها , وهو يقلب تلك الرواية فى رأسه , ولكنه فى النهاية لم يجد بداً من أن يبحث فى هذا المجلد عن تلكما الورقتين , وبالفعل عثر عليهما كل ورقة كانت على حدى فى غلاف من غلافى الكتاب , وكم كانت فرحة كريستين طاغية عندما رأت تلكما الورقتين , وأخذ فرانسوا ومروان يطالعان ما وجداه فى هذا الغلاف , فكانتا الورقتين عبارة عن رقاقتين من جلد غريب الملمس شعر فرنسوا بقشعريرة تسرى فى جسده عند لمسهما , فشعر وكأنه يلمس جلد إنسان مدبوغ , وكانتا تحويان طلاسم ورموز عجيبة إلى جانب بعض الصور اليدوية والرموز العجيبة , وكانت مكتوبة بلغة غريبة وإن كانت تحت كل كلمة من الكلمات العجيبة تدوين لحروفها باللغة الإنجليزية ويبدو أن هناك من قام بترجمة تلك الحروف الغريبة , وأخذت الفتاة الورقتين منه وألقت عليهما نظرة متعمقة , وكان البشر يزداد وضوحاً على وجها رويداً رويداً , حتى صاحت فى النهاية بحبور ونشوة عجيبة , > نعم هما , وأخيراً وجدتهما , لقد إستنفذت وقتاً طويلاً وأنفقت مالاً وفيراً فى سبيل الحصول على هذا الكنز الخطير , تعجب البروفيسور من ردة فعل الفتاة عندما عثروا على الورقتين , فهل هى متحمسة إلى هذا الحد للقضاء على تلك الروح الشريرة ؟ أم أن هناك شئ آخر ؟ ولهذا فقد تناول الورقتين برفق من الفتاة ثم قام ووضعهما فى أحد أدراج مكتبه وأغلقه جيداً , ثم وضع المفتاح فى جيبه وعاد إلى مكانه ,

{ 10 }

عندما وضع البروفيسور فرنسوا الورقتين فى درج مكتبة إعتلا وجه الفتاة مسحة من الذهول والتعجب , حتى مروان نفسه تعجب من تصرف البروفيسور هذا , ولكنه ظل صامتاً ولم يعقب على تصرفه بينما صاحت الفتاة فى غضب ,
> هل أستسمح سيدى أن يفسر لى هذا التصرف الغريب ؟ هل تنوى حرمانى من تلكما الورقتين بعد ان عثرت عليهما ؟ لقد عرضت عليك أن تطلب ما تشاء من مال مقابل تلكما الورقتين , فأنا لدى ثروة كبيرة آلت إلى من عائلتى ؟
ضحك البروفيسور بصوت مرتفع ثم قال
> وهل تظنين يا فتاتى الفاتنة إنى فى حاجة إلى مالك هذا ؟ أياً كانت قيمته ؟ ثم من قال لك أننى سوف أحرمك منهما ؟ كل ما فى الأمر أننى أريد أولاً أن أستمع منك لخطتك القادمة , وكيف ستتمكنين من القضاء على تلك الروح الشريرة بواسطتهما ؟
ثم أضاف بلهجة خبيثة
> ثم اننى أخاف أن تؤذين نفسك , إذا ما فعلت هذا الأمر بمفردك ؟
نظرت الفتاة إلى البروفيسور نظرة عجيبة تحمل الكثير من علامات الإستفهام , ولكنها سريعاً ما إبتلعت غضبها سريعاً وعادت ترسم على وجهها تلك البسمة الرقيقة , فقد أدركت أنها لا تملك أن تجبر البروفيسور على إعطائها تلكما الورقتين , ولهذا قررت أن تتخذ أسلوباً آخر , فقالت بهدوء وود مصطنع
> بالطبع ياسيدى أنت محق فيما تقوله , ثم من قال لك أننى سأواجه تلك الروح بمفردى ؟ فلابد من مساعدة شخصين آخرين على الأقل للقيام بتلك البروتكولات والطقوس التى بواسطتها يمكن القضاء على تلك الروح الشريرة ؟ فها أنا اعرض عليكما أن تكونا شريكاى فى تنفيذ هذه المهمة الخطيرة , والتى سترحم البشرية من شر مستطير قد يحدث فى أى وقت ؟
وهنا إنتفض مروان صائحاً
> ومن قال لك أننى على إستعداد للمشاركة فى هذا الهراء الذى تتحدثين عنه ؟ لقد إستمعت إليك كأننى أستمع إلى حكاية من حكايات شهرزاد فى ألف ليلة وليلة , ولكن ليس معنى هذا أن أشارك فى مثل تلك الهرطقة ؟
فوجئت الفتاة بثورة مروان المفاجئة تلك , ولكنها نظرت إلية نظرة مستهزئة ساخرة , بينما أشار البروفيسور إليه أن يهدأ وينتظر , فتمالك مروان نفسه وجلس مكانه وعاد إلى صمته وسكونه حتى يصل إلى نهاية لتلك الرواية الهزلية التى يستمع إليها , ووجه البروفيسور كلامه إلى كريستين قائلاً
> قضية المعاونة من عدمها أمر سابق لآوانه , فقد ذكرت أن هناك مخطوط , هذا المسمى ( ترنيمة الخلود ) وأنه يحوى كل الطقوس التى من شأنها القضاء على تلك الروح , فأين إذن هذا المخطوط ؟ وكيف سنطبق ما فيه ؟
إرتبكت الفتاة للحظة وأن كانت قد تداركت بسرعة تلك الإرتباكة إلا أن هذا لم يفت البروفيسور , الذى كان لم يفتأ يدقق نظره فى وجه الفتاة , وأجابته الفتاة قائلة
> فى حقيقة الأمر يا سيدى لقد قمت بحرق هذا المخطوط , ولكن بعد أن نقشت كل حرف فيه فى رأسى حتى صرت أحفظه عن ظهر قلب بكل ما فيه من طقوس ورموز , فقد خشيت أن يقع فى يد أحد غيرى فآثرت التخلص منه ,
نظر إليها فرنسوا بنظرة متشككة ولكنه قال لها بمكرٍ
> مفهوم , مفهوم ... خيرٌ فعلت بإحراقك هذا المخطوط , فلا أحد يدرى ماذا لو أنه وقع فى يد أحد ما وإستطاع هذا الشخص الحصول إيضاً على تلكما الورقتين , ولكن هل لك أن تخبرينى بطريقة مختصرة عن تلك الطقوس التى يجب إتباعها ؟
> لابد أن تعلم أولاً يا سيدى أن المكان الوحيد الذى يمكن أن تجرى فيه تلك الطقوس , هو قبر أخر من استحوذته تلك الروح الشريرة , وهنا هو قبر الساحرة أولجا سباستيان , وقد علمت أن أنصار وتلاميذ تلك المرأة قد قاموا بدفن رفاتها فى حجرة ما داخل المنزل التى كانت تعيش فيه قبل إحراقها , وهذا المنزل مازال قائماً إلى اليوم , وقد قامت الحكومة من قبل بتجديده وفتحه كمزار سياحى لكل من يرغب فى مشاهدة مخلفات تلك الساحرة , وإن كانت تلك الحجرة التى تحوى قبرها ظلت مغلقة ولم يحاول أحد فتحها أبداً , ثم بعد ذلك بقليل قامت الحكومة بإغلاق هذا البيت تماماً وذلك أثر وقوع بعد الحوادث الغريبة للزائرين , وظل من يومها مغلقاً تماماً ولم يقترب منه أى أحد بعدما ترددت أقوال كثيرة بأن هذا البيت مسكون بالأشباح , وهنا فنحن نحتاج إلى التسلل داخل هذا البيت بطريقة أو بأخرى , ثم الدخول إلى تلك الحجرة التى تحوى قبر الساحرة , ثم بعد ذلك يتم إستدعاء تلك الروح الشريرة التى اصبحت منطلقة الآن , وذلك بواسطة الترنيمات الموجودة فى الورقة الأولى , ثم من خلال الترنيمات التى فى الورقة الثانية يتم القضاء عليها , ويكون هذا بتتابع منتظم , ومن شخصين كل منهما يحمل إحدى الورقتين , ولكن لكما أن تعلما أنه لابد من وجود وسيط لكى تظهر الروح من خلاله , وأنا سأكون هذا الوسيط ,
عقد الذهول لسان البروفيسور ومروان وصاح فيها مروان
> هل جننت يا فتاة ؟ بالله عليك كيف لك أن تضعى نفسك فى مثل هذا الموقف ؟ وماذا لو حدث أى خطأ ؟ ستكون حياتك هى الثمن فى هذا الوقت ؟
> لا تقلق يا سيد مروان لو تم السير على الخطوات التى سأرسمها لكما بدقة ,فلن يحدث أى شئ ؟ والآن يا بروفيسور , وبعد أن عرفت التفاصيل , فهلا أعطيتنى الورقتين ؟ فأنا فى حاجة إلى دراستهما قبل الإقدام على التنفيذ ؟
إبتسم البروفيسور فى خبث قائلاً
> يا فتاتى نحن انا ومروان اللذان نحتاج دراسة ما فى هاتين الورقتين , فنحن من سيقوما بترتيل ما فيهما ؟ وما دمنا سنلتقى جميعاً فى المكان المتفق عليه , فأنا أرى أن تظل تلكما الورقتين فى حوذتى , فهذا أكثر أمناً
نظرت إليه الفتاة نظرات تحمل بغضاً وغيظاً كظيماً ,ولكنها لم تكن تملك أى شئ , وخاصة بعد تلك اللهجة القاطعة التى ختم بها البروفيسور جملته , فقد أدركت أنها لن تحصل على تلكما الورقتين مهما فعلت , ولهذا فقد قالت له
> هل أفهم من ذلك أنكما قد وافقتما على معاونتى فى مهمتى ؟
هم مروان بالإعتراض مرة أخرى , ولكن قبل أن ينطق أشار له البروفيسور بالصمت وقال للفتاة
> وهل من الممكن يا فتاتى أن يفوت رجل مثلى تلك الفرصة الذهبية التى يقدم فيها مثل تلك الخدمة الجليلة للبشرية ؟
ونطق البروفيسور الجملة الأخيرة وهو يضغط على كل حرف من حروفها , وهنا أدركت الفتاة انه ليس هناك ما يقال بعد ذلك , ولهذا فقد إتفقت مع البروفيسور على الموعد الذى سيلتقيان فيه لتنفيذ تلك المهمة وهو ليلة الخميس المقبل , بعد أن إحتج فرنسوا أنه فى الأيام المقبلة لدية الكثير من المشاغل الهامة , وهنا مدت الفتاة يدها لتصافح الرجل , ولاحظ فرنسوا وجود خاتم شكله عجيب وعليه رسومات أدرك معناها جيداً , ولكنه لم يعلق على ذلك , بل ابدى أنه لم يلحظ هذا نهائياً , وبعد إنصراف الفتاة قال مروان للبروفيسور
> سيدى , أرجو أن تعفينى من تلك المهمة العجيبة التى تزمع القيام بها ,
وهنا صاح فيه فرنسوا غاضباً
> إسمع يا بنى , أنا لن أرغمك على فعل هذا , فهناك العشرات من يمكنهم القيام معى بتلك المهمة , ولكنى أرى - وهذا من أجلك أنت - أن تكمل معى ما بدأناه , فتلك الفرصة لن تجد مثلها مهما حييت ومهما بحثت ودرست , وإن كان الأمر متعلق بمعتقداتك ؟ فأنا على العكس من ذلك أرى أن ما سيحدث لن يخالف عقيدتك فى شئ , ألا يوجد عندكم من يقوم بإخراج الجن من جسد الإنسان الملبوس به ؟ فلتعتبر أن تلك المهمة هى القضاء على نوع خطير من الجن , وأنا لن أطالبك بالرد الآن , فكر أولاً وأمامك إلى الغد لتتخذ قرارك , ولكن عليك أن تخبرنى وقتها بقرارك أياً كان ,


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق