الثلاثاء، 17 أغسطس 2010

{{{ صوتٌ من الماضى ؛ ج 3 }}}









{ 5 }

أظلمت القاعة تماماً فقد إنطفأت الشموع التى كانت تضيئها , وخيم الظلام إلا من بعض الأضواء الخافتة التى تسربت من الكوات الزجاجية للقاعة والقادمة من حديقة الفيلا الخارجية فأضفت طابع من الرهبة والرعب على القاعة , وسرت فى جوها برودة عجيبة وكأنها صادرة من قبور فتحت فجأة فى قلبها , رغم أن القاعة كانت مغلقة تماماً ,

الذهول والرعب يسيطر على الجميع , وغزت الاجساد قشعريرة برودة وقشعريرة الخوف والذهول من مظهر تلك المرأة التى ولدت فجأة فى قلب القاعة ,

وصيحات المرأة التى كانت صامته صمت الصخور منذ دقائق ترعد فى جنبات القاعة , والكل ينظر إلى ملامحها الشيطانية التى تكونت فجأة وكأن هناك من أعاد تشكيل وجها ,

وأخذت المراة تنقل بصرها بين الجميع بعينتين حمراوتين وكأن الشرر ينطلق منهما , وقد ثار شعر رأسها فأصبح مثل أشواك القنفذ , وإنطلق صوتها مثل فحيح الاف الأفاعى

Ø لقد عدت إليكم .... وهل كنتم تظنون أننى لن أعود مرة أخرى ؟ لقد توعدتكم بالعودة فى كل مرة , ولكن هذه المرة لن يستطيع أحدُ أن يتخلص منى أبداً ,

ووجهت بصرها الى السيدة لورا التى كادت ان تختفى داخل ملابسها لشدة رعبها , وقالت لها

Ø شكراً لك أيتها العجوز الشمطاء أنك أعديتنى إلى عالمكم . . لن أنسى لك هذا الصنيع , ولهذا سأجعل ميتتك أقل بشاعة من ميتات كل المتواجدين هنا ...

وإنطلقت صرخة لورا مارتينى مبحوحة أتبعتها صرخات بقية النساء من العضوات المتواجدات . بينما وقف الرجال وهم لا يدرون ولا يفقهون شيئاً مما يحدث حولهم , بينما بقى فرنسوا بيير ينظر إلى تلك المرأة وهو يتسائل بينه وبين نفسه

من هذه المرأة ؟ بل ما هذه الروح التى تلبست من كانت إمرأة منذ دقائق معدودة ؟ هل أخطأت السيدة لورا مارتينى وإستحضرت روحاً شريرة بدلاً من روح والدة مروان ؟ وروح من تلك التى تحمل كل هذا الشر والبغض ؟ وكيف جاءت إلى هنا ؟

أسئلة لم تجد أى إجابة فى عقل البروفيسور الذى وقف ذاهلاً رغم كل ما مر به فى حياته من مواقف لا يصدقها عقل , وتخصص فى دراسة كل ما هو غير منطقى وخارق للطبيعة ,

وإستمرت تلك الشيطانة تفح فحيح بصوتها العجيب متوعدة ومهددة كل البشر بالويل والثبور وعظائم الأمور بين همهمات الفزع الصادرة من الرجال , وصرخات الرعب المنطلقة من النساء , وتحولت القاعة إلى مسرح يعرض إحدى روايات ( كافكا ) المظلمة أو قصة رعب من قصص ( إدجار ألان بو ) الدموية ,

وظلت تلك المراة الشيطانية تدور بين المتواجدين فى القاعة وفحيحها العالى يختلط بالصراخ والعويل ,

وفى تلك الملحمة الصوتية المرعبة إنطلق فجأة صوت مرتفع قوى هادر وصاح بكل قوة

Ø كفى ... توقفى إيتها الملعونة عن صخبك الهزلى هذا .. أما زلتِ تظنين أنك تمتلكين قدراتك السابقة ؟ أما زلتِ تظنين انك تحيين فى عالمك الأسود اللعين ؟

وخيم صمت رهيب على القاعة كلها بعد تلك الكلمات القوية وتوجهت أنظار الجميع إلى مصدر هذا الصوت حتى المرأة الشيطانية نفسها , وباتت القاعة وكأنها لقطة سينمائية توقفت عندها ماكينة العرض فجأة ,

وكم كان ذهول الجميع عندما أدركوا أن صاحبة تلك الصيحة المدوية لم تكن سوى فتاة فى مقتبل العمر تحمل قسمات وجهها جمالاً فريداً من نوعه وإن كانت الظلال القاتمة بسبب ضعف الإضائة قد أضفت على وجهها ملامح رهيبة كللتها تلك النظرات القوية التى إنطلقت من عينى تلك الفتاة وعلامات القوة والتحدى التى إرتسمت فوق وجهها

وكان أكثرهم ذهولاً هو مروان فقد أدرك على التو أن تلك الفتاة هى نفسها التى رآها عندما دخل القاعة وكانت تجلس فى الصف الأخير منها ثم إختفت فجأة عند حضور الأعضاء ,

وعندما رأتها تلك المرأة الشيطانية اطلقت صرخة مدوية خلعت قلوب الجميع , أتبعتها بضحكة بشعة مجلجلة تردد صداها فى كل جنبات القاعة ونظرت إلى الفتاة نظرة تحمل كل آيات الحقد والغضب فى هذا الكون وفحت بصوت بشع وهى تشير إلى الفتاة

Ø أما زلت على قيد الحياة إيتها اللعينة , ها ها ها ها ها ها ها , الشكر إلى كل شياطين الجحيم , لم أكن أحلم بأكثر من هذا , فأنت الوحيدة التى أفلتت من يدى , وها انا أراكِ هنا الآن , وكأن الشيطان الأكبر قد إدخر لى مكافئتى الى اليوم .

ورغم كل هذا التهديد والوعيد فقد وقفت الفتاة شامخة تنظر إليها بتحد وقوة لم يراها مروان ذات يوم فى أعتى الرجال تصميماً وإرادة , بينما هدرت المرأة بصرخة مدوية , وتطايرات كل الأشياء فى القاعة , حتى المقاعد حلقت فى فضائها ,

وهنا أطلق الجميع ساقيه للريح وإنطلقوا خارج القاعة وأغلقوا بابها فى إحكام تاركين تلك المعركة الرهيبة بين الفتاة والمرأة الشيطانية تدور رحاها داخلها , معركة قد تبدو غير متكافئة بالمرة , بين فتاة هى رمز الجمال والطهر والبراءة , وبين الشيطان متلبساً جسد تلك المراة البدينة التى أصبحت فجأة فى رشاقة لاعبات السيرك ,

ووقف الجميع خارج القاعة وقد أصابهم الجمود فلم ينبس أحدهم ببنت شفة ٍ بينما سقطت إحداهن مغشياً عليها وإنشغل البعض فى محاولة إعادتها إلى رشدها ,

وكانت أصوات تلك المعركة حامية الوطيس تصك أسماعهم , ما بين صرخات شيطانية وصيحات قوية بكلمات غير مفهومة , وتطاير أثاث القاعة وإصطدامه بحوائطها وتحطم كل ما هو قابل للتحطيم ,

وأستمر الحال على هذا لعدة دقائق وفجأة إنطلقت صرخة قوية من تلك الشيطانة , صرخة تحمل كل آيات الفزع والرعب , ثم أتبعتها بصوت أخذ يتباعد وهى تصيح

Ø سوف أعود .. سوف أعود ... لن تفلتى منى هذه المرة أيتها اللعينة ...

وظلت تلك الكلمات يتردد صداها حتى تلاشت تماماً وسكن الصوت داخل القاعة وخارجها ولو القيت إبرة فى تلك اللحظة لسمعت لها صوتاً مدوياً , وكان لهذا الصمت المفاجئ طنين فى أذان الجميع كما يحدث أن يكف مذياع مرتفع الصوت فجأة ,

وتريث فرنسوا لدقيقتين ثم تقدم بخطوت حذرة إلى باب القاعة وفتحه رويداً رويداً بحذر , وعندما لم يحدث شئ فتحه على مصراعية وأضاء نور القاعة المبهر , وهالة تلك الحالة التى أصبحت عليها القاعة وكانها ساحة ( واترلو ) بعد هزيمة نابليون بونابرت فى معركته الأخيرة , فقد تحطم فيها كل شئ ,

بينما كانت المرأة الوسيط ملقاة على الأرض فاقدة الوعى وقد عادت إلى ملامحها الطبيعية وإن بدا على وجهها وهيئتها أثار هذه اللحظات الرهيبة التى مرت بها ,

ومن خلفة دخل باقى الأعضاء يسبقهم مروان الذى كان أول شئ بحث عنه داخل القاعة هى تلك الفتاة ,
ولكنها كعادتها تلك الليلة إختفت الفتاة وكأنها لم تكن , 


**********

{ 6 }
لم يدر مروان كيف عاد إلى بيته ؟ ولا كيف خلع ملابسه وألقى بجسده فوق مخدعه ؟ ولا كيف غفت عينه دون أن يتناول أى طعام منذ أن تناول غدائة ؟ بعد تلك الليلة العاصفة التى مرت به , والعجيب أنه إستغرق تماماً فى النوم , والأعجب أنه عندما إستيقظ من نومه قرب الظهيرة شعر بألام مبرحة فى جميع أنحاء جسده وكأن هناك شاحنة ضخمة قد مرت فوقه وحطمت كل عظمة فى جسده . روغم هذا فقد تحامل على نفسه وتناول إفطاراً سريعاً وإرتدى ملابسه وغادر البيت إلى إحدى المكتبات العامة القريبة من بيته , وقضى هناك معظم اليوم ثم يمم شطر فيلا البروفيسور فرنسوا جان بيير , الذى قابله ببساطة شديدة وكأنه كان فى إنتظاره وبعد ترحيب ألى قال له > كنت اتوقع حضورك .. ويبدو من مظهرك وملامحك أنك تمر بحالة نفسية معقدة ,
> هذه حقيقة , فقد توجهت إلى مكتبة عامة محاولاً أن أجد فيها أى كتب تفسر لى ما حدث هنا فى تلك الليلة , ولكنى لم أحظ إلا بالقليل الغير كافى لتوضيح الأمر ,
>
يبدو انك لم تبحث فى الإتجاه الصحيح ؟ أوإنك ما زلت مصراً على تجاهل تلك القدرات الخاصة التى يمتلكها البعض ومنها القدرة على تحضير الأرواح , ربما بسبب معتقداتك التى ترفض ذلك تماماً , رغم كل ما رأيته بعينى رأسك ؟
> سيدى , بخصوص هذه الجزيئية فقد راجعت بعض المراجع الدينية ووجدت لها تفسير , قد يبدو منطقياً , فكما قلت لك من قبل أن أسرار الروح لا يعلمها إلا الله , ولم يُطلع أحد من خلقه على تلك الأسرار حتى أنبيائه , وبعد أن يموت الإنسان لا يعلم احد إلا الله مصير روحه , يقال أنها تبقى فى البرزخ وهو عالم ما بين الحياة الدنيا والحياة الآخرة لا يعلم سره إلا الله , فكيف إذاً تريد إقناعى بأن هناك من لديه القدرة على إستحضار روح شخص ما من هذا العالم ؟ ثم يجعلها تحل فى جسد شخص آخر كوسيط من عالمنا هذا ؟ وأين تذهب روح هذا الوسيط ؟ أم أنه فى وقت ما يصبح يحمل روحين فى جسده ؟ ألا ترى معى ان هذا الكلام غير منطقياً , ليس من الناحية الدينية فحسب , وإنما أيضاً من الناحية العلمية المنطقية ؟ هرش فرنسوا رأسه مفكراً ثم مط شفتيه محاولاً أن يبتلع هذا المنطق الواقعى جداً ثم تساءل > لنقل أن كلامك هذا صحيح من الناحية الدينية والناحية المنطقية أيضاً , فهل لديك تفسير إذاً لما حدث أمام عينيك ؟ لقد أخبرتنى أنك وجدت تفسيراً منطقياً فما هو ؟
> إنه ليس تفسيرى انا وإنما تفسير علماء الإسلام , وهو أن ما يحل فى جسد الوسيط ليست روح الشخص المطلوب إستحضار روحه , وإنما هو جان يستعين به من يدعى قدرته على تحضير الأرواح , وأحيانا يكون هذا الجان هو قرين الشخص المطلوب , الذى إقترن به حال حياته , فإذا مات هذا الشخص وبقى قرينه من الجن على قيد الحياة فيمكن من خلال الشخص الذى يدعى تلك القدرة أن يستعين بهذا الجان القرين وقد يصدق حين يخبر الحضور عن بعض الأمور التى تتعلق بالشخص المطلوب حال حياته , ولكن قصة الإستعانة بالجن قصة ثانية ليست هى مجال حديثنا الآن ,
>
نعم .. لقد قرات الكثير عن القرين هذا , وكذلك عن الإستعانة بالجن نظير تقديم تنازلات مقابل هذا , كأن يبيع الشخص نفسه للشيطان ذاته مثلاً , على كل حال ليس هذه قضيتنا الآن , ولكن قضيتنا هى تلك الروح الشريرة التى تحمل كل هذا الشر والحقد التى تلبست جسد الوسيط , فقد ظللت طوال الليل أبحث فى كتبى ومخطوطاتى , مثلما فعلت أنت , وإن كنت أنا قد سرت فى الطريق المنشودة مباشرة , وبالفعل توصلت لمعلومات قد تدهشك جداً عندما تطلع عليها .
> هل تقصد يا سيدى إنك قد توصلت إلى معرفة كينونة تلك الشخصية الشريرة التى حضرت فى القاعة ليلة أمس ؟ إإتنى بالله عليك بما لديك , ولكن قبل كل هذا لدى سؤال هام جداً . إنه متعلق بتلك الفتاة التى تقاتلت مع المرأة الشريرة , من أين جاءت ؟ وإلى أين ذهبت ؟ لقد رأيتها وقت أن دخلت إلى القاعة , ولكنها إختفت بعد ذلك ولم تظهر إلا فى الوقت الذى رأيناها فيه تواجه تلك الشريرة . وكان البروفيسور قد نهض ليحضر شئ ما من مكتبتة وعندما سمع ذلك إلتفت إلى مروان مندهشاً وقال له
> هل رأيت تلك الفتاة عند دخولك إلى القاعة ؟ عجباً .. كيف لم أرها أنا أو أحد الأعضاء قبل أن تواجه تلك الروح ؟ إنك لم تخبرنى بذلك حينها ؟
>
لقد ظننتك تعلم بأمرها , فقد رأيتها حين ذهبت أنت لإحضار الأعضاء وعندما بحثت عنها بعد ذلك وجدتها قد إختفت ,
مط فرانسوا شفتيه تعجباً وكان قد أحضر من مكتبته مجلداً ضخماً يبدو من غلافة السميك المصنوع من الجلد أنه أحد المجلدات أو المخطوطات الأثرية النادرة , وكان غلافة يحمل عنواناً بأحرف لاتينية قديمة ترجمها له فرنسوا بـ ( محرقة الساحرات ) وقال له
> هذا المجلد الضخم يحوى تاريخ السحر والسحرة منذ القرون الوسطى والذين تم إحراقهم بأوامر من الكنيسة الكاثوليكية التى شنت حرباً ضارية على السحر والشعودة وكل من يتناول تلك الأعمال , وكانت هناك محارق تقام فى إحتفاليات ضخمة يتم فيها إحراق كل من تثبت عليه تهمة السحر والشعوذة , وأحياناً كان مجرد الإتهام كافى لفعل ذلك دون النظر إلى إثبات أو غيره , وقلب فرنسوا فى المجلد الذى قد يتجاوز عدد صفحاته الألف صفحة , ورغم قدم المجلد إلا انه من الداخل كانت صفحاته مازالت بحالة جيده رغم إصفرار أوراقه ولكن كانت كلماته واضحة والصور التى يحويها أيضاً واضحة تماماً , وإن كانت اللغة التى كتب بها هى اللغة اللاتينية التى لا يجيدها مروان وإن كان يعرف منها بعض الكلمات القليلة , وتوقف البروفيسور عند صفحة معينة وأشار لمروان على صورة بكامل تلك الصفحة , وكانت الصورة لإمرأة عجوز متغضنة الوجه وتحمل ملامحها قسمات شريرة وشيطانية , وكان الرسام الذى رسمها قد أبدع فى إبراز هذه الملامح التى تحمل الشر والقسوة , وكانت ملابسها تدل على أنها من زمن مضى وليست من هذا الزمان , ودقق مروان فى الصورة وملامحها وسرت رعدة شديدة فى جسده فقد كانت ملامحها قريبة جداً من الملامح التى تشكلت بها وجه الوسيط فى تلك الليلة , فنظر إلى فرنسوا بعينين متسائلتين مندهشتين فإبتسم له الأخير وقال له
>
نعم هى .. هى تلك المراة التى رأيناها ليلة أمس , أقصد بالطبع روحها أو قرينها كما تقول أنت , ولعلك ستتسائل كيف توصلت إليها بهذه السهولة ؟ وجوابى يكمن فى البحث المرتب وإختيار منهج بحثك لكى تصل إلى ما تريد الوصول إليه من أقصر الطرق , ولكن هذا لم يكن السبب فى عثورى على تلك المعلومة , ولكن كان طريقى إليها يكمن فى تلك الصفحة

وقلب البروفيسور ورقتين أخرتين وأشار لمروان على صورة أخرى فى تلك الصفحة وما أن رآها مروان حتى إنتفض من مكانه وكأنه قد لدغه عقرب ...



هناك تعليق واحد:

  1. شدتني الاحداث جدا
    يبدو اني لن أنام قبل التكملة
    مش عارفة كانت مستخبية فين :)

    ردحذف