الثلاثاء، 17 أغسطس 2010

{{{ صوتٌ من الماضى ؛ ج 4 }}}


{ 7 }

صاح مروان عندما رأى تلك الصورة التى أشار إليها البروفيسورقائلاً بفزع
>
إنها هى يا سيدى , نعم هى تلك الفتاة التى رأينها جميعاً تواجه تلك الساحرة الشريرة . سيدى أنا لم اعد أفهم شئ .. هل لك بالله عليك أن تفسر لى كل هذا ؟
>
إهدأ قليلاً يا بنى ودعنى أشرح لك كل شئ , مع الوضع فى الإعتبار أن الكثير ما سأقولة لك مبنى على التخمين وإن كان تخميناً مبنياً على حقائق منطقية فلتهدأ إذاً وتستمع إلى القصة التى أستطعت تجميع حروفها من خلال المعلومات التى قرأتها فى هذا المجلد إلى جانب بعض التخمينات المنطقية التى تتعلق بما حدث ليلة أمس ,
تناول مروان رشفة من المشروب الذى قدمه له الخادم منذ قليل وجلس وقد تحول إلى أذن ٍتسمع وعقلٍ يعى , وتحدث البروفيسير
>
ترجع تلك الأحداث التى نحن بصددها إلى نهاية القرن الماضى وتحديداً في نهاية عام 1885 , إى منذ ما يقرب من تسعين سنة تقريباً , تلك الحقبة التى كانت تمر فيها فرنسا بحالة من الهياج السياسى والشعبى , وإندلاع الثورات ضد الملكية تارة وضد الإمبراطورية البونابرتية تارة أخرى وكانت فرنسا بأسرها تبحث عن الهدوء فى ظل الصراعات القائمة بين الحكومات المتعاقبة والثورة الشعبية , وكانت قرية ( مون كرابو ) فى الجنوب الفرنسى من القرى التى كانت بعيدة عن تلك الفوضى السياسية التى تعيش فيها باريس والمدن الكبيرة فى فرنسا , ولكن كانت هناك حرب من نوع آخر تدور على أرض تلك القرية الهادئة نسبياً ,
لقد دارت رحى هذه الحرب بين عمدة هذه القرية وكان يدعى ( مورير كازان ) وبين الدجل والشعوذة على وجه العموم , وبين الساحرة الأشهر فى هذه القرية بل وفى معظم قرى ومدن فرنسا وكانت تدعى ( أولجا سباستيان ) والتى حازت على شهرة واسعة فى معظم ربوع فرنسا بأنها قد باعت روحها للشيطان منذ زمن بعيد واصبحت فى خدمته تماماً – هذا على حد ثقافتهم فى هذا الوقت – ولهذا فقد كان الجميع يرهبها بشدة ويعمل لها ألف حساب , وكان يكفى ذكر إسمها لإثارة الرعب فى القلوب , وكانت تشتهر أيضاً بنوع شديد الخطورة من أنواع السحر والذى يسمى ( سحر الفودو )

قاطعه مروان قائلاً
>
نعم .. لقد قرأت بعض المعلومات عن هذا النوع من السحر الأسود وهو يشبه إلى حد كبير ما يطلق عليه فى الشرق عندنا إسم الأعمال السفلية والتى تقوم على أساس أخذ ما يسمى ( بالأثر ) من شخص الضحية وهو يكون عبارة عن شئ متعلق بهذا الشخص كقطعة من ملابسه أو قلامة أظافر من أظافره أو حتى عدة شعرات من رأسه , ويتم عمل سحر على تلك الأشياء التى تحمل صفة من صفات الضحية كرائحة عرقه أو من أصل جسده ,
>
ليس بالضبط يا مروان ... فقد قرأت عن السحر الشرقى وما تطلقون عليه الأعمال السفلية , فهو قد يلحق ضرراً محدوداً بالضحية , أما بالنسبة لسحر الفودو والذى إنتقل إلى أوروبا والأمريكتين من أفريقيا فهو يعتمد اساساً على صنع ما يسمى بـ ( الفتيش ) والفتيش هذا عبارة عن دمية صغيرة تصنع غالباُ من القماش المحشو بالخرق ويتم وضع شئ متعلق بالضحية فى هذا الفتيش , كخصلة من شعره مثلاً أو قطعة من ملابسه أو أى شئ من هذا القبيل , ويصبح بعدها هذا الفتيش وبعد تلاوة ترنيمات شيطانية معينة علية وكأنه نموذج للضحية المطلوبة , وعند إالحاق أى ضرر بهذه الدمية الفتيش , فإن هذا الضرر يلحق فى نفس الوقت بالضحية صاحبة هذا الفتيش أياً كان مكانها بعداً عن هذا الفتيش , فمثلاً لو كسرت لها ذراعاً أو طعنتها بسكين , أو حتى أغرقتها فى حوض ماء فإن نفس ما تقوم به مع الدمية يحدث لشبيها وهو الضحية من الإنس ,
المهم أن هذا العمدة قد أعلنها حرباً ضارية للقضاء على تلك الشعوذة والدجل الذى غرق فيه معظم شعب فرنسا وخاصة الفلاحين البسطاء الذين أصبحوا يطيعون السحرة والدجالين ويخشون جانبهم أكثر مما يخشون جانب السلطات أو الحكومة , وإستطاع العمدة كازان هذا ومن خلال علاقته الطيبة بأهل القرية ومثقفيها من مواجهة تلك الساحرة أولجا سباستيان والحصول من الكنيسة - والتى بدات تخف قبضتها على كثيراً فى ذلك الوقت – حصل منها على حكم يبيح حرق تلك الساحرة لإحترافها الدجل والشعوذة , وتمكن بالفعل من القبض بمعاونة بعض رجال الشرطة الذين وافقوا على القيام بهذا العمل الخطير بينما فضل بعضهم الموت على أن يفعل هذا , وفى يومٍ مشهود وفى ساحة واسعة من ساحات القرية وبحضور جمع غفير من أهل القرية ومن خارجها , تم إحراق تلك الساحرة حية كما كان يحدث فى العصور الوسطى تماماً ,
ولكن لم يكن حادث إحراق الساحرة هو حديث أهل القرية بل كل من حضر تلك الواقعة , وإنما حالة تلك المرأة التى باعت نفسها للشيطان مقابل براعتها فى هذه الأعمال , فقد أحضرت المرأة وقد أوثقوها بشدة واضعين غماماة على عينيها ,ولكنها لم تهتز لحظة ولم يبد عليها أى رعب حتى بعد أن قيدوها إلى العامود واشعلوا النار تحتها , بل أنها أطلقت ضحكة شيطانية مروعة هزت قلوب كل الحضور بما فيهم هذا العمدة كازان نفسه , وأخذت تتوعد كل من فعل بها هذا وعلى رأسهم هذا العمدة بالويل والإنتقام الرهيب , وكم كانت نظرات عينيها تحمل هذا الكم الرهيب من الحقد والكراهية وهى تنظر إلى العمدة الذى كان هو من ألقى الشعلة التى أشعلت الحطب تحتها بنفسه , وقالت له ( لن تهنأ بعد اليوم , وإنتظر منى الإنتقام الذى يتناسب مع فعلتك ) وبرغم رباطة جأش هذا الرجل إلا أنه بالفعل قد اسر لبعض خواصه بعد هذا أنه قد شعر ببرودة الرعب تسرى فى جسده من تلك النظرات النارية التى رمته بها تلك المرأة ,
ومرت سنوات كثيرة على تلك الحادثة وكاد الناس يتناسون أمر تلك الساحرة لولا تلك الحوادث العجيبة التى بدأت تصيب كل من كان له علاقة بالقبض عليها وإحراقها , فقد تعرض كل من ساهم فى ذلك لحوادث بشعة أدت إلى موتهم ميتات أقل ما يوصف بها أنها دموية بما يفوق الوصف , أما عن العمدة موريير كازان فقد كان ما حدث له أبشع مما حدث للجميع , فقد وجد هو وعائلته كلها داخل قصرهم بالبلدة وقد تقطعت أوصالهم اشلاءاً وكأن هناك العشرات من الأسود قد هاجموهم وقطعوهم إرباً , وبالطبع لم تكن هناك أى متهم يمكن إلصاق تلك الجريمة البشعة به سوى تلك الساحرة , فقد إسترجع الناس حادثة إحراقها أمام اعينهم وإستعادت عقولهم كل كلمة تهديد ووعيد نطقت بها وظلت ترددها بصوتها الجهورى البشع حتى أتت عليها النار تماماً . . وبدأت الهمسات تدور فى ربوع القرية أن الساحرة قد عادت إلى عالم الأحياء مروة أخرى لتنفذ إنتقامها من كل الذين قضوا عليها , وأخذوا فى الربط بين كل الحوادث الغريبة التى لحقت بكل ألأشخاص الذين ساهموا فى ذلك للتدليل على صدق تكهنهم , وخاصة عندما إشتعلت النيران بدون مناسبة فى قصر العمدة بعد ذلك وتحول إلى أنقاض وخرائب فى ساعات معدودة ,

كان مروان يستمع إلى رواية البروفيسور وهو فى قمة العجب والدهشة , وبعد أن صمت فرنسوا سأله مروان وهو مازال على حاته من العجب والدهشة
>
ولكن يا سيدى هل تظن أن أهل تلك القرية صادقين فى تكهناتهم ؟ فما يقال هذا لا يمكن أن يصدقه عقل ؟
>
بالطبع لابد أن يكون هناك تفسيرات لما حدث , وإلا فكيف حدث ؟ وقد عكفت جهات كثيرة وقتها على دراسة تلك الحوادث من رجال شرطة وعلماء ورجال دين , وتوصلوا إلى حل قد يبدو منطقياً , وهو أنه برغم ما ما تمتعت به هذه الساحرة من رهبة لدى كل من عاصرها ولكن تلك الرهبة كانت مقرونة بالرعب والكراهية فى آن واحد , وبرغم أن كل من عاصرها قد تنفس الصعداء حين تم القضاء عليها بتلك الطريقة , إلا أنها لم تعدم بعض المريدين والأنصار وأيضاً التلاميذ التى حرصت على تعليمهم بعض فنونها , وأن هؤلاء الأنصار المحتملين قد إختفوا وقت أن تم القبض عليها وإحراقها , وأنهم قد عادو بعد فترة من الزمن لينتقموا لمعلمتهم ممن قضوا عليها , وقامو بتطبيق ما تعلموه منها على كل هؤلاء الأشخاص , وبنفس الطريقة التى برعت فيها أولجا سباستيان , وهى الفودو , فربما قد صنعوا فتيشاً لكل شخص ممن أرادو الإنتقام منه , وقاموا بتقطيع هذا الفتيش إرباً فحدث لأصحاب هذا الفتيش نفس الشئ , أو ربما قاموا بقتلهم وتقطيعهم بأيديهم , ولكن فى النهاية تصبح تلك النظرية هى الوحيدة القابلة للتصديق والأقرب للعقل والمنطق , وهذا ما أقتنع به أنا شخصياً
>
عجيب أمرك يا سيدى , أراك تميل الآن إلى التفسيرات المنطقية , رغم معارضتك لى فى مسألة تحضير الأرواح وإيمانك بها ؟
>
يبدو يا بنى إنك لم تدرك بعد طبيعة دراساتى وأبحاثى التى أعكف عليها ؟ فأنا قد أؤمن بوجود قدرات خارقة فى الجسد البشرى تظه إذا ما تم إستدعائها بطريقة أو بأخرى ؟ وقد أؤمن بتحضير الأرواح سواء كانت من تحضر هى الروح الحقيقية أم هى جان أو قرين ؟ ولكنى فى النهاية لا أستطيع أن اؤمن بما ينافى العقل والمنطق وإلا أصبحت مؤلفاً لروايات الخبال والعلمى وقصص الرعب وليس عالما يعتمد فى بحثه على التجربة والنتيجة , فلو سلمنا ان هناك من حضر روح هذه الساحرة فى هذا الوقت وهذا الزمن ؟ فهل هى قادرة بالفعل على إلحاق هذا الأذى والضرر المادى الذى لحق بكل هؤلاء الأشخاص ؟ فقد تستطيع التحدث غلى الروح أو سؤالها بعض الأسئلة , سواء عن طريق وسيطاً أو عن طريق أشياء أخرى مثل ( لوح الويجا ) مثلاً ؟ ولكن ان تقوم الروح بتلك الأفعال المادية الرهيبة ؟ فهذا خارج نطاق المنطق العلمى والعقلى , وأيضاً الدينى , ولا تنسى أنى مسيحياً ولست ملحداً . أما كيف تواجدت تلك الروح الشريرة فى هذا الوقت الذى ظهرت فيه داخل قاعتنا تلك , فتفسيرى الوحيد له , أنه ربما كانت تلك الروح هائمة ثم وجدت المناخ المناسب لحلولها فى جسد وسيط قامت بتجهيزه من قبل السيدة لورا مارتينى , وبسبب قوتها الشيطانية إستطاعت أن تستغل هذا المناخ وتسيطر على جسد الوسيط ,
دارت دقائق من الصمت بين مروان والبروفيسير وكان عقل مروان يرفض تماماً كل تلك التفسيرات المتعلقة بروح الساحرة ولكنه لم يجد أى تفسير منطقى آخر وقطع مروان حالة الصمت تلك سائلاً البروفيسور
>
تتبقى نقطة هامة يا سيدى لم تفسرها لى , وهى قصة تلك الفتاة التى واجهت هذا الساحرة ليلة أمس ؟ وما هى علاقتها بها اصلاً ؟ وكيف وجدت صورتها فى هذا المخطوط القديم , بينما رأيناها بالأمس رأى العين ؟
تنهد البروفيسور فى حيرة صومت قليلاً ثم قال لمروان

>
لقد بقى لغز تلك الفتاة التى رأيناها بالأمس هو لغز الألغاز بالنسبة لى . ولم أجد له حلاً منطقياً إلى وقتنا هذا , لقد اخبرتك أن صورة الفتاة تلك هى التى أوصلتنى إلى كل تلك القصة الطويلة التى سردتها عليك , فعندما شككت فى أمر تلك المرأة التى إلتبست روحها جسد الوسيط , بدأت التقليب فى هذا المجلد الضخموغيرة من المؤلفات المتعلقة بأكثر الشخصيات شراً فى التاريخ , ورغم أنى مررت على صورة الساحرة ولكنها لم تلفت نظرى فى البداية فهى مثلها مثل غيرها من الساحرات التى وردت صورهم فى هذا المجلد القديم , تحمل نفس النظرات الشيطانية والملامح الجبيثة , ربما بسبب تأثر الرسامين الذين كانوا يرسمون تلك الشخصيات بطبيعتهم الشيطانية , , , ولكنى عندما وقع نظرى على صورة تلك الفتاة مقترنة بافصل الذى يحوى قصة أولجا سباستيان أدركت على الفور أنها هى الشخصية المنشودة , ورغم أننى لم أكن على يقين تام من أن تلك هى صورة الفتاة التى رأيناها بالأمس لأننى لم أرى ملامحها جيداً بسبب الضوء الضعيف الذى كان ينير القاعة وقتها , ولكنك عندما رأيتها أنت وتعرفت عليها مباشرة وبعد أن قلت لى أنك قد رأيتها من قبل تلك الواقعة وكان هذا أثناء غرق القاعة فى الضوء , فقد تيقنت أننى قد سرت فى الطريق الصحيح ,
> أتقصد أن تقول أن تلك الفتاة التى رأيناها فى ريعان شبابها بالأمس لها علاقة مباشرة بتلك الساحرة التى قضت نحبها منذ عشرات السنين ؟ أى منطق هذا يا سيدى ؟
>
مهلاً يا بنى , أنه ليس منطقى كى تناقشنى فيه . ولكنه التاريخ كما ورد فى هذا المجلد , فكما ورد فى هذا الفصل المتعلق بتلك الساحرة أولجا سباستيان وعلاقتها بعمدة القرية فى هذا الوقت موريير كازان , هناك شخص واحد أفلت من تلك المذبحة الرهيبة التى حدثت لعائلة العمدة وإتأصلت شأفتهم تماماً وكان هذا الشخص هو نلك الفتاة ( هلينا موريير كازان ) إبنة العمدة الشابة والتى كانت فى رحلة خارج فرنسا وقت وقوع تلك المذبحة , ولهذا فقد نجيت من تلك الميتة البشعة التى لحقت بعائلتها كلها , ولم تذكر المصادر أى شئ عن مصير تلك الفتاة بعد ذلك سوى أخبار غير موثوقة , أو مجرد تكهنات وروايات جرت على ألسنة أهل القرية . تارة تقول ان تلك الفتاة آلت على نفسها أن تنتقم مما حدث لعائلتها , أما كيف وممن تنتقم ؟ فلا احد يعلم ؟ وترة يقولون انها تزوجت وهاجرت خارج فرنسا ولم يعلم عنها احد شيئاً بعد ذلك , وهناك رواية هامة جداً تناولها سكان المنطقة وقتها , وهى أن تلك الفتاة إعتكفت على دراسة السحر والعلوم الروحانية لمواجهة أى موقف مشابه قد يحدث لها ولعائلتها من بعد , وكانت تلك الرواية هى الأقرب إلى عقول الأهالى البسطاء الذين يؤمنون بمقولة إنه لا يفل الحديد إلا الحديد .

وكاد عقل مروان يطير من مكانة , فها هى القصة تزداد تعقيداً بعد أن وجد تفسير منطقى لتواجد روح الساحرة او قرينها الشيطانى , ولكن هاهو تواجد تلك لافتاة يغوص فى أعماق الخرافة والخزعبلات , فكيف لأنسان أن يحيا ما يقارب القرنين من الزمان , ولو فرض أن هناك من عاش كل تلك الفترة من الزمن ؟ فهل سيبقى على هيئته شاباً كما كان منذ تلك الفترة ؟

وإلتفت مروان إلى البروفيسور فوجده هو الأخر غارقاً فى حيرته وتفكيره ,فقال له

>
هل تريد أن تقول يا سيدى أن تلك الفتاة التى رأيناها بأعيننا جميعاً وسمعنا صوتها يآذننا , ؟ ما هى إلا شبح من الماضى ؟ كيف أتت إلى عالمنا ؟ وكيف علمت بوجود تلك الساحرة فى هذا الوقت ,؟ بل حتى من قبل أن تحضر ؟
مط البروفيسور شفتيه حائراً وأشاح بيده قائلاً
>
ما علمته قد نقلته لك بكل أمانة دون زيادة أو نقصان , أما كيف تراه أنت أو اراه أنا ؟ فهذا يرجع إلى معتقدات كلٌ منا , ولكن كل ما أستطيع قوله الآن , ولكن أين ترفرف الحقيقة بجناحيها ؟ فهذا ما لم أستطع الوصول إليه ؟ فالعقل والسنين تقول أن تلك الفتاة التى كانت فى العشرين من عمرها وقت تلك الحادثة , لابد وأن تكون قد جاوزت التسعين من عمرها اليوم , أما كيف جاءت إلينا على صورتها تلك ليلة أمس ؟ فهذا هو ما يجعلنى عاجزاً عن الإجابة ..
قطع حديثهما دخول الخادم وأخبر البروفيسور قائلاً
>
هناك فتاة ما تريد مقابلت سيدى فى أمر هام وتصر على ذلك رغم أننى نبهتها لتأخر الوقت , وأن سيدى لديه ضيف , ولكنها أصرت على ذلك فى إلحاح

تعجب فرنسوا من تلك الضيفة التى تأتى فى مثل تلك الساعة وتصر على مقابلته , ولكنه أمر الخادم بأن يأذن لها بالدخول , وقاما هو ومروان لإستقبال تلك الضيفة , وما أن أطلت عليهما حتى إرتدا مذعوران وقد إتسعت حدقاتهما رعباً ,


فلم تكن تلك الضيفة سوى هذه الفتاة , هلينا موريير كازان , صاحبة الصورة الموجوده فى مجلد الساحرات ....


***********
{ 8 }

تجمد الموقف للحظات وصمت الجميع
البروفيسور ينظر مذهولاً إلى الواقفة أمامه فى هيئة بشرية بينما يراها فى مخيلته شبح من أشباح الماضى .
مروان فقد القدرة على الكلام أو حتى الذهول فقد كان ما يراه فوق ما يمكن لعلقه الرافض للخرافة أن يتقبله ,
الفتاة تنظر إلى الإثنين وتعلوا شفتيها إبتسامة غامضة , وتلتمع فى عينتيها نظرات واثقة متحدية , بلا , فهى من تملك التفسيرات , ولم تفارق عينيها المجلد الضخم الموضوع فوق المنضدة الصغيرة أمامهم .
قطعت الفتاة فترة الصمت تلك قائلة
Ø ألن تدعوانى للجلوس ؟ أم سألقى ما أريد قولة و أنا واقفة هكذا ؟
لم يحر البروفيسور جواباً , بل ظل ينظر إليها لحظات إخرى , وفجأة إرتسمت إبتسامة إدراك على شفتيه , ولمعت عيناة بنور الفهم , وكأن هناك مصباح اضاء فى ذهنة مرة واحدة فأضاء له ظلام عقله ودله على الطريق الصحيح , وأشار إليها لكى تتخذ مجلسها بينما إنطلقت ضحكته , ربما سخرية من نفسه لأنه إنقاد وراء أوهامه , وربما لوم لنفسه لأنه لم يدرك الحقيقة منذ البداية , بينما بقى مروان على ذهوله ورعبه وإن كان نقل بصره إلى البروفيسور مستوضحاً فقال له الأخير
Ø أظن إن لم اكن مخطئاً أن الأنسة من عائلة موريير كازان ؟ أليس كذلك ؟
ثم قال موجهاً حديثة إلى مروان
Ø لا تتعجب يابنى .. أنظر إلى تلك الصورة لهيلينا كازان فى هذا المجلد ثم قارن بينها وبين تلك الأنسة الجالسة بيننا , وستدرك وقتها ما أدركته أنا الآن , الملامح قريبة الشبه , ولكن هناك إختلافات جوهرية ربما لا تتضح إلا إذا قارنت بين الصورة والأصل , والآن أيتها الآنسة , أعتقد أنك مدينة لنا بالكثير من التفسيرات ؟
نظرت إليه الفتاة نظرات إعجاب بذكائة وفطنته وقالت بطريقة مباشرة
> أنا ( كريستين رينييه ) حفيدة صاحبة تلك الصورة هليينا كازان , اما عن التفسيرات والتوضيحات ؟ فألقيا ما شئتما من الأسئلة وأنا أجيب عليها ؟
أخذ مروان برهة من الوقت حتى يستوعب الموقف جيداً , ويدرك أن الجالسة أمامه أنسية وليس جنية , فى الوقت الذى نظر فيه البروفيسور إلى كريستين قائلاً
Ø فى حقيقة الأمر إن لم يخوننى ذكائى , فوجودك هنا فى مثل تلك الساعة لابد وأن ورائة اسباب هامة جعلتك تفصحين عن نفسك بينما لم تفعلى مثل هذا الأمر وقتما حضرت إجتماع الأمس , فهل لى أن أتشرف بسبب تلك الزيارة ؟
Ø يسعدنى يا سيدى إستخدامك للأسلوب المباشر فى الحديث , فهذا يقصر على الطريق كثيراً , ولكن قبل أن أفصح عن هدف الزيارة فلابد أولاً أن أوضح بعض النقاط الهامة .
Ø كلنا آذان صاغية إذاً يا فتاتى ,
Ø واضح من وجود هذا المجلد الخاص بالساحرات ( محرقة الساحرات ) أنكما قد أدركتما بعض الحقائق حول ما حدث ليلة أمس , وإن لم تكن كل الحقيقة ولكنها مفتاح لها , فهل لى أن اعرف أولاً إلى أى مدى قد وصلتما فى إستنتاجاتكما وتحليلاتكما من خلال هذا المجلد ؟
وقص عليها البروفيسور كل ما توصلا إليه من معلومات وإستنتاجات بينما بقيت الفتاة صامته لا تنطق إلا للتأكيد على ما يقوله فرنسوا , وبعد أن أنتهى من كلامه قالت له
Ø سيدى .. ما توصلت إليه بالنسبة لما هو متاح لك من معلومات يعد أمر جيد جداً وتحليلاً شبه منطقى . ولكن يتنبقى بعض الحقائق الهامة جداً , فالنسبة لأولجا سباستيان تلك الساحرة التى حاربها جدى حتى قضى عليها , لم تكن هى أول من تستحوذ عليه تلك الروح الشريرة , فهذه الروح التى نلبست تلك المرأة هى من أقدم الأرواح الشريرة الهائمة فى الحياة البشرية ,ربما كانت منذ قرون أو منذ ألاف السنين او حتى منذ أن وجد الإنسان على سطح الأرض , وهى عندما تتلبس جسداً ما فإنها تعطيه قوى خارقة لا تتوافر لأى إنسان آخر , وبإختلاف الأزمنة تكون تلك القوى متناسبة مع هذا الزمن , فلو نظرنا من منظار التاريخ سنجد أنه فى كل حقبة تاريخية نرى حالات كانت تتمع بقوى حار الناس فى أزمنتهم أن يفسروا تلك القوى ومبعثها
قال لها البروفيسور مستوضحاً
Ø أتقصدين أنه تناسخ أرواح على مر الزمن البعيد ؟
Ø ليس بهذا المعنى يا سيدى .. ولكنها روح من قلب الشيطان الأكبر ذاته , إنها هبة أبليس للبشر , ومنحة ( لوسيفر ) لكل من يحصل عليها , - < < توضيح من المؤلف = لوسيفر هو أسم من أسماء إبليس عند الغربيين , وهناك ايضاً أسم اخر يطلقونه عليه وهو بعلزبول >>
قاطعها مروان منزعجاً وقال لها فى إستنكار
Ø هل تسمين ما قرأناه فى هذا المجلد , وما رأينا بعضاً منه من تلك المرأة الشريرة , منحة وهبة ؟ كيف يكون بالله عليك كل هذا الشر منحة أو هبة ؟
نظرت إليه الفتاة نظرة عجيبة نفذت إلى أعماق نفسه , ولم يدر مروان هل تلك النظرة لوم له لمقطاعتها ؟ أم هى إعتراضاً على إستنكاره لما قالت ؟ ولكن الفتاة جاوبته بصوت يحمل نبرة مختلفة عن نبرتها العادية , وكانت تلك هى المرة الأولى التى توجه كلاماً مباشراً إليه ,
Ø يبدو يا سيدى إنك ذلك الفتى الذى كان متواجداً ليلة أمس ؟ لقد تابعت حوارك وقتها , وفهمت منه أنك تعارض بشدة كل ما هو خارق للطبيعة , ولكن دعنا نتخطى المعتقدات حالياً فما أتحدث فيه الأن هو حقائق دونت عبر التاريخ وليست من محض خيالى , ودعنى أيضاً أقول لك أن ما تراه أنت شراً مستطيراً يراه غيرك هبة عظيمة , فهذا يتوقف على الزاوية التى ينظر إليها كلٌ منكم , ولو علمت ما تمنحه تلك الروح الشريرة لمن تستحوذ عليه من قوة وبأس ربما غيرت وجهة نظرك ؟ فهناك دائماً من هم على إستعداد لبيع أرواحهم للشيطان مقابل اقل من هذا بكثير , فالقاتل مثلاً واللص وكل مجرم عاتى على وجه الأرض قد باع نفسه للشيطان , ولكن فى مقابل شئ زهيد جداً إذا ما قورن بما يحصل عليه هذا الذى يريد تلك القوة التى تطلق عليها شريرة ,
كانت النظرة التى وجهتها الفتاة إلى مروان بعد ذلك نظرة حار فى تفسيرها وأيضاً فرنسوا تعجب منها , ولكن الفتاة عادت تبتسم فى ود مرة أخرى وأكملت حديثها قائلة
Ø كنت أقول أن تلك الروح تظل هائمة لسنوات طويلة حتى تسكن فى جسد ما وتمنحه تلك القوة الشيطانية , مقابل أن يمتلك ( لوسيفر ) روح هذا الشخص ويصبح عبداً له فى الوقت الذى يجند له الشيطان الأكبر الجن الذى يعاونه على تنفيذ المخطط الشيطانى الأعظم
كان مروان لديه فكرة عن هذا الموضوع وسبق أن تناقش فيه مع فرنسوا ولكنه لم يكن ليستعب كل هذا الهراء الذى يتنافى مع معتقداته الإيمانية التى ترفض مبدأ التناسخ وإن كان تلبس الجن أو ما يطلق عليه فى الشرق مس الجن أمر معروف لديه , ولكن قصة أن يبيع شخصاً ما روحه للشيطان مقابل القوة والسيطرة ؟ فهذا ما لم يستطع عقله أن يتقبله ولذلك لم يعقب مروان على كل هذه الأحاديث وآثر الصمت حتى يعرف أكثر وأكثر ,
وإستطردت الفتاة قائلة
Ø ولكن عملية الإستحواذ هذه تتم بواسطة طقوس معينة وقراءة ترتيلات وتعويذات سرية تماماً يكاد لا يعرفها سوى من يتعامل مع هذا الموقف مباشرة , وهذه التعويذات السرية جداً لا توجد إلا فى مخطوط إسمه ( ترنيمة الخلود ) وهذا المخطوط لا توجد منه سوى نسخة واحدة فى هذا الكون , وهى دائماً ما تكون فى حوزة الشخص الذى يتعاقد مع ( لوسيفر ) وعندما يفنى جسد هذا الشخص لسبب أو لآخر , فمن تقع فى يده تلك النسخة الوحيده , ويكون لديه العلم الكافى لفك طلاسمها ورموزها , يستطيع من خلال إقامة طقس معين أن يحل محل الشخص الذى سبقه ,
ظل مروان على ذهوله مما يستمع إليه من تلك الفتاة وشعر إنه يجلس فى إحدى الجمعيات الماسونية التى أخذت تنتشر منذ فجر التاريخ , وتتوغل داخل المجتمعات الغربية على الأخص وكانت هذه الجمعيات الماسونية تهدف إلى إجتذاب أكبر عدد ممكن من المناصرين , فظن مروان أن كل ما حدث هو وسيلة لجذبة إلى إحدى تلك الفرق الشيطانية ,
فى الوقت الذى ظل فيه البروفيسور صامتاً يستمع إلى الفتاة بكل تركيز ولم يحول عينه عنها وكأنه يزن كل كلمة تقولها ويقرنها بتعبيرات وجهها , وأخيراً تحدث قائلاً
> أظن أننى قد قرأت شيئاً عن هذا المخطوط المتوغل فى القدم , وإنه يعد أكثر الوثائق سرية فى هذا الكون , أعتقد أنى قد قرأت عنه فى هذا المجلد الذى بين أيدينا , ولكن عفواً أنستى , فأنت إلى الأن لم تفسرى لنا سبب تواجدك بالأمس دون دعوة ؟ وكذلك سبب تشريفى بتلك الزيارة الآن ؟


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق