الثلاثاء، 17 أغسطس 2010

{{{ صوتٌ من الماضى ؛ ج 2 }}}









{ 3 }

تعجب مروان بشدة لإختفاء الفتاة المفاجئ هذا , ولم يدرِ اين ذهبت ؟ فقد كانت هنا منذ دقائق قليلة , ومما زاد من عجبه هو أن البروفيسور فرنسوا لم يشر إليها مطلقاً , وكأنه لم يرها او لم يلحظ وجودها من الأساس ,
وهم أن يسأل فرنسوا عنها لولا ان بدأ الأخير فى الحديث وتقديم بعض الأعضاء المتواجدين لعرض ما لديهم من قدرات خاصة ,
وتقدم رجل ذو ملامح هندية يدعى ( جوهار بندهار ) وأدى تحية خاصة للجميع , ثم قام بخلع ملابسه وبقى بسرواله الداخلى فحسب ثم ازاح ستاراً فى الجانب ليظهر خلفة حوض زجاجى فى حجم التابوت , وكان مملوءاً بالماء إلى حافته تماماً فنزل إلى هذا الحوض الزجاجى وتمدد فيه حتى غطاه الماء تماماً وفاض بعضه خارج الحوض , ثم نهض عضوين من الأعضاء وقاما بوضع غطاء زجاجى ثقيل فة فوهة الحوض بحيث لم يكن هناك أى فرصة لهذا الجوهار بإخراج رأسه خارج الماء , وأغمض الرجل الهندى عينية ووضع زراعيه فوق صدرة وبدا وكأنه قد ذهب فى ثبات عميق , أو أنه قد مات ,
بينما علق البروفيسور فرنسوا موجهاً كلامه إلى مروان

> لقد ضرب جوهار بندهار الرقم القياسى فى المكوث تحت سطح الماء , حيث يستطيع أن يمكث تحت الماء دون تنفس لمدة ثلاثين دقيقة , مع الوضع فى الإعتبار أن الوضع الطبيعى أن يمتنع الإنسان عن التنفس لمدة لا تتجاوز الأربع أو الخمس دقائق ,

وظل مروان ينظر إلى الرجل الهندى الذى خمدت أنفاسه تماماً تحت سطح الماء , وكان يحاول أن يكشف اى خدعة فى الامر , ولكن فى النهاية الموقف كان لا يقبل الجدل ,
و بينما كانت عيناة تنتقل بين ساعة الإيقاف التى شغلها فرانسوا وبين حوض الماء الذى يرقد فيه الرجل , تقدم عضو آخر وهو الروسى ( سيرجى أيفانوفتش ) ووضع على الطاولة كوب من الماء الممتلى إلى قرب حافته ثم وقف على بعد عدة خطوات منه ثم ثبت بصره على الكوب بتركيز شديد حتى تفصد العرق من جبينه , وبعد دقائق بدأ كوب الماء يتحرك من مكانه , رويداً رويداً حتى سقط من فوق الطاولة دون أن تمسه يد , وتحطم كوب الماء بصوت بدد الصمت الذى خيم على الجميع , بينما ظل مروان ينظر إلى ما يحدث أمامه وهو يكاد يكذب عينية التى ترى ما يحدث , ظل ينظر إلى حطام الكوب الذى سقط متناثراً فوق الأرض إلى أن أفاق على دقات ساعة الإيقاف التى أعلنت مرور 28 دقيقة بالتمام والكمال فنهض نفس العضوين الذان غطيا حوض بالماء بالغطاء الزجاجى وقاما برفعة من مكانه . وهنا دبت الروح مرة أخرى فى جسد جوهار كندهار وأخرج رأسه خارج الحوض وتنشق نفساً طويلاً ثم نهض خارجاً من الحوض والماء يتساقط من جسده , وألقى تحيته للجميع ثم إرتدى ملابسه وذهب ليجلس مكانه دون أن ينطق بكلمة واحدة وكأنه لم يفعل شئ ,
وإنتبه مروان على صوت فرنسوا الذى هتف به قائلاً فى لغة متشفية ,

> ما قولك الآن فيما رأيت يا سيد مروان ؟ أما زلت متشككاً فى إمتلاك البعض قدرات خاصة لا توجد إلا فى أشخاص يكادون لا يتخطون أصابع اليدين فى العالم كله .
> سيدى البروفيسور , أنا فى الحقيقة مبهور بما أرى , ولكنى ما زلت اقول لك أن ما حدث أمام عينى الآن لا يدخل فى نطاق العقيدة أو يخالفها , فأنا بالطبع أعلم جيداً أن إنسان ما إذا واظب على تدريبات شاقة قد يكتسب قدرات تفوق ما لدى الشخص العادى بمراحل كثيرة , أما فيما يتعلق بمسألة التنجيم وتحضير الأرواح , فهذا ما لا أستطيع أن أقتنع به مطلقاً ,
نظر فرنسوا إلى مروان نظرة غاضبة كاد ينخلع لها قلب مروان , فهو لم ير تلك النظرة فى عينه من قبل , ولكن كعادة فرنسوا ومقدرته الهائلة على تمالك نفسه وتحجيم غضبه قال لمروان بهدوء وإن كان مقروناً بفروغ صبر
> لنفترض يا مروان أن تلك القدرات قد إكتسبها هؤلاء من خلال التدريب الشاق والمستمر , ألا ترى معى أن مجرد الوصول إلى تلك القدرات فى حد ذاته شئ خارق للطبيعة , على كل حال , كنت أنوى أن أدعك ترى المزيد من تلك القدرات , ولكن نكتفى بما عرض عليك ونتوجه الآن غلى الفقرة الرئيسية اليوم , فلن نضيع بقية الإجتماع فى محاولة إقناعك بما لن تقتنع به , وعلينا أن نستغل وجود سيدة فرنسا الشهيرة معنا , السيدة ( لورا مارتينى ) عالمة الفلك والعلوم الروحانية والحائزة على شهادات دولية لا تقبل التشكيك فى علم الفلك , هذا بخلاف مقدرتها الفذة على تحضير الأرواح , وبما انها لا تتواجد بصفة دائمة لكثرة مشاغلها , فأنا أعتقد أنه من حسن طالعك أن تصادفها اليوم معنا , وأظنك قد لا تحظى بتلك الفرصة فى المستقبل القريب حتى لو سعيت إلى ذلك ,
هز مروان كتفيه ومط شفتيه وكأنه يقول له , دع الماء يكذب الغطاس 

********


{ 4 }
وهنا نهضت السيدة لورا مارتينى بكبرياء يتناسب مع مكانتها التى حظيت بها فى فرنسا والعديد من دول العالم , وكانت لورا قد تخطت الخمسين من عمرها بقليل وإن كان وجها يحمل ملامح إمرأة فى الأربعينات , ورغم ان ملامحها لم تكن تحمل الكثير من الحسن ولكن بها الكثير من الجاذبية خاصة عندما تعقد ما بين حاجبيها لتبدو وكأنها تفكر فى عمق فكان هذا يعطيه طابعاً من الغموض والجاذبية , وأشارت لورا إلى إمرأة اخرى تجلس بين بقية الأعضاء وكانت تقاربها فى العمر تقريباً وأن كانت اقصر منها قامة وأكثر منها وزناً فبدت وكأنها كرة ضخمة تتدحرج فوق الأرض , وجلست تلك السيدة فوق مقعد على الجانب الأيمن من القاعة بينما وقفت السيدة لورا مارتينى إلى جانبها وأشارت إلى مروان قائلة > هل تحب أن ترشح روحاً معينة لتحضيرها ؟ فإذا كنت ترغب فى ذلك فعليك كتابة بيانات تلك الشخصية مثل إسمها وتاريخ وفاتها ومكانه ؟ وإما أن تترك المجال لغيرك للإختيار ؟ وبرغم أن مروان كان بداخله يشعر أنه يجلس فى خيمة أحد الحواة فى مولد من الموالد التى لا حصر لها فى مصر , إلا أنه اراد أن يكمل اللعبة للنهاية , وخشى لو أنه ترك المجال لغيره أن يختار , فيكون الإختيار مرتباً من قبلهم , فتفوت عليه فرصة النيل منهم وكشف حيلهم وألاعيبهم , ولهذا فقد قام بكتابة إسم والدته التى توفيت منذ عدة سنوات فى القاهرة وبيانتها التى طلبتها لورا وقدمها لها , وبعد ان قرأتها جيداً وقفت امام تلك المرأة السمينة والتى أدرك مروان أنها ستقوم بدور الوسيط , وأخذت لورا تحدق فى عينى الوسيط بقوة وهى تتحدث إليها بكلمات هامسة حتى سقطت رأس الوسيط إلى الخلف وكأنها قد غفت فجأة , وهنا إبتعدت عنها لورا عدة خطوات الى الخلف وهى تصيح بها فى صوت أمر قوى النبرة > انت الأن تحت سيطرتى الكاملة . وسوف تطعين كل ما أمليه عليك , وأخذت لورا تترنم ببضع كلمات غير مفهومة وبتتابع منتظم ويعلوا صوتها رويداً رويداً ثم أشارت بيديها إلى أعلى وهى تدعو الروح المطلوبة بالحضور فوراً خلال جسد الوسيط , ومرت لحظات رهيبة والكل ينظر إلى الوسيط الجالسة فوق المقعد وكأنها قدت من صخر وما زالت فى ثباتها التى كانت عليه ولم تحرك ساكناً . ومرت دقائق أخرى دون أن يتغير الحال . وهنا بدت نظرات قلق فى عينى الحضور وعلى الأخص فرنسوا بينما تعالت إبتسامة ساخرة فوق شفتى مروان والذى قال بلهجة متهكمة , > يبدو يا سيدتى أنك تتحدثين غلى روح والدتى باللغة الفرنسية التى لا تفقه منها حرفاً واحداً , فلماذا لا تحدثينها باللغة التى تفهمها ؟ فربما رفقت بك وحلت بجسد وسيطك ؟ > إخرس أيها الأحمق الجاهل ... أنت لا تعلم أى شئ عن عالم الأرواح أيها التافه , عالم الأرواح ليس له أى علاقة بما تتحدث عنه ؟ هكذا إنطلق صوت السيدة لورا مارتينى هادراً غاضباً ربما لتفرغ شحنة القلق التى اصابتها نتيجة فشل تجربتها الاولى فى تحضير تلك الروح , وإنكمش مروان صامتاً فقد شعر أنه قد تجاوز حدوده هذه المرة , وقد يحدث له ما لا يحمد عقباه إذا إستمر على تلك الحالة من السخرية والتكذيب , فآثر الصمت حتى تمر الليلة على خير , بينما اعادت لورا مارتينى نفس الطقوس مرة أخرى ولكن لم تكن تلك المحاولة الأخيرة أفضل من سابقتها , وهنا بدا قلق حقيقى على وجه لورا والبروفيسور , قلق مبهم بسبب نتيجة غير متوقعة على الإطلاق , بينما سرت همهمات دهشة بين الأعضاء , وأدرك مروان ان هناك شئ ما يحدث , فلو كانوا فعلاً يريدون خداعة فما كان اسهل عليهم من أن يفبركوا أى قصة , ولكن ما دامت التجربة قد فشلت فلابد أن هناك أمرٌ ما غير منطقى فى الموضوع , وإلتقت نظرات لورا بنظرات فرنسوا وأشارت الاولى بيدها وكأنها تقول , لا أعرف ماذا حدث , وساد جو من التوتر بين جدران القاعة , وفجأة تعالت اصوات وهمهمات الأعضاء مما دعا الجميع يوجهون نظراتهم إلى حيث ينظرون , حيث كانت تجلس تلك المرأة السمينة والتى كانت تقوم بدور الوسيط , وهنا بدا على وجه الوسيط تشنجات عجيبة وأخذت ملامح وجهها تتبدل على نحو بشع وترتسم عليها ملامح شيطانية بينما كان جسدها ينتفض بشدة وكأن هناك ألاف الحيات تحيط بها وتلدغها فى قسوة , وظلت على تلك الحالة تتلوى على مقعدها والزبد يخرج من شدقيها حت سقطت على الأرض وجسدها يتشنج فى عنف , فى الوقت الذى وقف الجميع ينظر إليها فى ذهول دون أن يتحرك أحدهم قيد أنملة ,فقد بدا المشهد رهيب ومرعب إلى أقصى حد , وفى لحظات الذهول تلك وعلى حين غرة , إنتفض جسد الوسيط وكأنها فتاة رشيقة فى العشرين من عمرها ووقفت على قدميها وكانت ملامحها قد تبدلت تماماً وكأن هناك شيطاناً قد تلبسها وتحولت قسمات وجهها إلى صورة بشعة لا تمت لملامحها الأصلية بشئ وإنطلقت من حنجرتها صيحة رهيبة وكأنها صوت ألاف الشياطين يأتى من أغوار الجحيم 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق